هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله المخزومي المشهور بابن زيدون ولد بقرطبة سنة 1003 م ( 394هـ ) في خلافة هشام الثاني ، وهو هشام بن الحكم الذي خضع لنفوذ العامريين وحكمهم .وقد عاصر الفتنة فشهد الصراع بين الأمويين على الحكم وبين الأمويين والعامريين وبين العرب والبربر ولم قتل آخر خليفة أموي اجتمع وجهاء قرطبة وأقاموا حكومة الجماعة الأرستقراطية وعلى رأسها أبو الحزم بن جهور. نشأ ابن زيدون في بيئة مثقفة وكان أبوه من وجهاء قرطبة وأغنيائها وفقهائها فأحضر له الأدباء والمربين . لكن والده مات عندما كان ابن زيدون في الحادية عشرة فأهتم به جده لأمه فتثقف ثقافة حسنة ونظم الشعر باكرا ، وكان ابن زيدون منحازا لأبي الحزم بن جهور وصديقا لابنه أبي الوليد ، فلما تسلم ابن جهور الحكم استقدم الشاعر وأوكل إليه النظر في أهل الذمة وجعله سفيرا لدى بعض ملوك الطوائف ، ولقبه بذي الوزارتين وقد أحب الشاعر ولاّدة بنت المستكفي الخليفة الأموي الذي خلعه أهل قرطبة فانتقل إلى (( الثغر )) ومات هناك بطريقة غامضة . وكانت ولاّدة من نساء قرطبة الجميلات وشاعرة مجيدة جعلت مجلسها ملتقى الشعراء وأهل الأدب .يقول ابن بسّام صاحب كتاب (( الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة )) في ولاّدة : (( كان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار العصر، وفناؤها ملعبا لجياد النظم ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب إلى حلاوة عشرتها )) وقد عشقها ابن زيدون وجرت له معها أخبار مشهورة فكانت ولاّدة تداعبه بهجائها أو تضرب له موعدا كقولها :
ترقّب إذا جنّ الظـلام زيـارتي
فإني رأيت الليل أكتم للـسـر
وبي منك ما لو كان بالبدر مابدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسـر
وقد حصلت جفوة سببها أن الشاعر سمع جارية ولاّدة تغني ، ولما فرغت سألها الإعادة بغير أمر ولاّدة التي عاتبت جاريتها ( عتبى ) وضربتها ، وفي ذلك يقول ابن زيدون :
وما ضربت عتبى لذنب أتت به
ولكنما ولاّدة تشتهي ضـربـي
فقامت تجر الذيل عاثرة بــه
وتمسح طل الدمع بالعنم الرطب
ثم انتظر اليوم التالي فكتبت له :
لو كنت تنصف في المودة بيننا
لم تهو جاريتي ولـم تتخـير
وتركت غصنا مثمرا بجمالـه
وجنحت للغصن الذي لم يثمر
ولقد علمت بأنني بدر السما
لكن ذهبت لشقوتي بالمشتري
وكان الوزير أبو عامر بن عبدوس الملقب بالفار ينافس ابن زيدون على قلب ولاّدة فاغتنم الجفوة وراح يتودد إليها ، مما جعل الغيرة تدب إلى قلب الشاعر .وبعد ما تصالح الحبيبان أرسل ابن عبدوس امرأة إلى ولاّدة تستميلها إليه ، فبلغ ذلك ابن زيدون فكتب على لسانها رسالة مشهورة في سب ابن عبدوس والتهكم به ، ومما ورد في الرسالة : (( أما بعد أيها المصاب بعقله ، المورّط بجهله ، البيّن سقطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الأعمى عن شمس نهاره ، فإنك راسلتني مرسلا خليلتك مرتادة مستعملا عشيقتك قوّادة )) فاشتد العداء بين الرجلين واستطاع ابن عبدوس مع أعوانه أن يوقع بابن زيدون وابن جهور الذي اتهم الشاعر باختلاس رجل ذمي وبالخيانة فسجنه ولم تنفع قصائد الاعتذار وقد فرّ ابن زيدون من السجن ثم اتصل بأبي الوليد بن جهور الذي تسلم الحكم بعد موت أبيه ، فجعله وزيره وممثله لدى الملوك ، وخوفا من أن يقع مع الابن مثل ما وقع مع الأب ترك ابن زيدون قرطبة على اثر جفوة مع أميره ، واتصل بالمعتضد ابن أمير اشبيلية ، ثم أغرى ابنه المعتمد الذي خلفه باحتلال قرطبة فاغتنم المعتمد استنجاد عبد الملك بن أبي الوليد به ضد ابن ذي النون ليستولي على قرطبة ويضمها إلى مملكته وينقل كرسي ملكه إليها ،وبقي ابن زيدون إلى جانب المعتمد حتى اضطربت الأحوال في اشبيلية فأرسل المعتمد ولده الحاجب وابن زيدون لتهدئتها وكان شاعرنا كبيرا في السن مريضا فاشتدت عليه وطأة الحمى وتوفي في اشبيلية ودفن فيها سنة 1070م ( 463هـ ) تاركا ديوانا شعريا في الغزل والرثاء والوصف والشكوى والعتاب والمديح والاعتذار.
نص الرسالة (وأظنها ليست مكتملة )
اما بعد , ايها المصاب بعقله , المورط بجهله , البين سقطه , الفاحش غلطه , العاثر في ذيل اغتراره ,
الاعمى عن شمس نهاره ,الساقط سقوط الذباب على الشراب , المتهافت تهافت الفراش في الشهاب , فان العجب
اكبر , ومعرفة المرء نفسه اصوب , وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك , متصديا من
خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك , مرسلا خليلتك مرتادة , مستعملا عشيقتك قوادة , كاذبا نفسك انك ستنزل
عنها الي , وتخلف بعدها علي
ولست باول ذي همة دعته لما ليس بالنائل
ولا شك انها قلتك اذ لم تضن بك, وملتك اذ لم تغر عليك , فانها اعذرت في السفارة لك , وما قصرت في النيابة
عنك , زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه , والنسانية اسم انت جسمه وهيولاه , قاطعة انك انفردت بالجمال ,
واستاثرت بالكمال , واستعليت في مراتب الجلال , واستوليت على محاسن الخلال , حتى خلت ان يوسف _ عليه
السلام _ حاسنك فغضضت منه , وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه , وأن قارون أصاب بعض ما كنزت , والنّطِفَ
عثر على فضل ما ركزت , وكسرى حمل غاشيتك , وقيصر رعى ماشيتك , والسكندر قتل دارا في طاعتك ,
وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك , والضحاك استدعى مسالمتك , وجذيمة الابرش تمنى
منادمتك , وشيرين قد نافست بوران فيك , وبلقيس غايرت الزباء عليك , وان مالك بن نويرة انما ردف لك ,
وعروة ابن جعفر انما رحل اليك , وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك , وجساسا انما قتله بانفتك ,
ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك , والسموءل انما وفى عن عهدك , والاحنف انما احتبى في بردك , وحاتما انما
جاد بوفرك , ولقى الاضياف ببشرك , وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك , والسليك ابن السلكه انما عدا على
رجليك , وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك , وقيس بن زهير انما استعان بدهائك , واياس بن معاوية انما
استضاء بمصباح ذكائك , وسحبان انما تكلم بلسانك , وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك , وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك , والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك , وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر
حتى رضيا كان عن اشارتك, وجوابه لعمر _ وقد سأله عن ايهما كان ينفر _ وقع عن ارادتك , وان الحجاج تقلد
ولاية العراق بجدك , وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك , والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك , وفرق ذات بينهم
بكيدك , وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك , وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك , وبطليموس
سوى الاسطرلاب بتدبيرك , وصور الكرة على تقديرك , وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك , وجالينوس
عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك , وكلاهما قلدك في العلاج , وسألك عن المزاج , واستوصفك تركيب الاعضاء , واستشارك في الداء والدواء , وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء , وأظهرت جابربن حيان
على سر الكيمياء , وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق , وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ,
وان صناعة الالحان اختراعك , وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك , وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك , وسهل بن هارون مدون كلامك , وعمرو بن بحر مستمليك , ومالك بن انس مستفتيك , وانك اللذي
اقام البراهين , ووضع القوانين , وحد الماهية , وبين الكيفية والكمية , وناظر في الجوهر والعَرَض ,
وميز الصحة من المرض , وفك المعمّى , وفصل بين الأسم والمسمى , وصرف وقسم , وعدل وقوّم ,
وصف الاسماء والافعال , وبوب الظرف والحال , وبنى وأعرب , ونفى وتعجب , ووصل وقطع , وثنى وجمع ,
وأظهر وأضمر , واستفهم وأخبر , وأهمل وقيد , وأرسل وأسند , وبحث ونظر , وتصفح الاديان ,
ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان , وأشار بذبح الجعد , وقتل بشار بن برد , وأنك لو شأت خرقت العادات ,
وخالفت المعهودات , فأحلت البحار عذبة , وأعدت السّلام رطبة , ونقلت غدا فصار امسا , وزدت في العناصر فكانت خمسا , وأنك المقول فيه : ((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .
و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد
والمعنيّ بقول ابي تمام :
فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباعِ
والمراد بقول ابي الطيب :
ذكر الانام لنا فكان قصيدة كنت البديع الفرد من أبياتها
فكدمت في غير مكدم , واستسمنت ذا ورم , ونفخت في غير ضرم , ولم تجد لرمح مهزا , ولا لشفرة محزا ,
بل رضيت من الغنيمة بالأياب , وتمنت الرجوع بخفي حنين , لأني قلت :
* لقد هان من بالت عليه الثعالب *
وأنشدت :
على انها الايام قد صرن كلها عجائب , حتى ليس فيها عجائب
ونخرت وكفرت , وعبست وبسرت , وأبدأت وأعدت , وأبرقتُ وأرعدت .
و :
* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*
ولولا ان للجوار ذمة , وللضيافة حرمة , لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ , والنعل حاضرة , ان عادت العقرب ,
والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .
وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك , ملؤها حبيبها , حسنٌ فيها من تود , وكانت انما حلّتك بحُلاك ,
ووسمتك بسيماك , ولم تعرك شهادة , ولا تكلفت لك زيادة , بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ , ووضعتِ
الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك , ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك , فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .
هجين القذال , ارعن السبال , طويل العنق والعلاوةِ , مُفرط الحمق والغباوة , جافي الطبع , سيئ الاجابة
والسمع , بغيض الهيئة , سخيف الذهاب والجيئة , ظاهر الوسواس , منتن الانفاس , كثير المعايب , مشهور
المثالب , كلامكَ تمتمة , وحديثُك غمغمة , وبينك فهفهة , وضحكك قهقهة , ومشيُك هرولة , وغناك مسألة ,
ودينُك زندقة , وعلمُك مخرقة
مَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق
حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك , وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك , وطويسا مأثور
عن يمن الطائر اذا قيس عليك , فوجودك عدم , والاغتباط بك ندم , والخيبة منك ظفر , والجنة معك سقر .
كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء , وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء , واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها , والطير
انما تقع على الافها , وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان , و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ,
وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان , وتمثلت :
ايها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد , وطائرٌ لا يصيده من اراد , وغرض لا يصيبه الا من اجاد , ما احسبك الا
كنت قد تهيأت للتهنئة , وترشحت للترفئة , ولولا ان جرح العجماء جبار , للقيت من الكواعب ما لاقى يسار,
فما هم الا بدون ما هممت به , ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .
اين ادعاؤكك رواية الاشعار , وتعاطيك حفظ السير والاخبار , اما ثاب لك قول الشاعر :
بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ
وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم , أو ترجع بصحبة المتلمس , او افعل بك ما فعله
عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا , فدهن استه بزيت , وأدناه من قرية النمل .
ومتى كثر تلاقينا , واتصل ترائينا , فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ,
وقرب الوساد !
وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ , او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود , خير من قعود !
ولعمري لو بلغت هذا المبلغ , لارتفعت , عن هذه الحِطة , ولا رضيت بهذه الخطة , فالنار ولا العار ,
والمنية ولا الدنية , والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها
فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة
ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد , ولا امتطي الثور بعد الجواد , فانما يتيمم من لم يجد ماء ,
ويرعى الهشيمَ , من عدِمَ الجميم , ويركب الصعب من لا ذلول له , ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ,
وشَهِدت مساعفتي له , من أقمار العصر , وريحان المصر , اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ , والرياضُ
طيب شيم
من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
فحن قدح ليس منها , ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم , وكالوشيظة في
العظم بينهم !
وان كنت انما بلغت قعر تابوتك , وتجافيت عن بعض قوتك , وعطرت اردانك , وجررت هميانك ,
واختلت في مشيتك , وحذفت فضول لحيتك , واصلحت شاربك , ومططت حاجبك , ورفعت خط عذارك ,
واستانفت عقد ازارك , رجاء الاكتنان فيهم , وطمعا في الاعتداد منهم , فظننت عجزا , واخطات استك الحفرة .
والله لو كساك محرق البردين , وحلّتك مارية بالقرطين , وقلدك عمرو الصمصامة , وحملك الحارث على
النعامة , ما شككت فيك , ولا سترت اباك , ولا كنتَ الا ذاك .
وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب , وجاريتهم في غاية الظرف والادب , اليس تأوي الى بيت قعيدته
لكاع , اذا كلهم عزب خالي الذراع !
واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة , والشهوة
الوافرة , والنفس المصروفة الي , واللذة الموقوفة علي , وبين اخر قد نضب غديره , ونزحت بيره , وذهب
نشاطه , ولم يبقى الا ضراطه !
وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة , ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !
تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال
ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك , وتربع علي ضلعك , ولاتكن براقش الدالة على اهلها , وعنز السوء المستثيرة
لحتفها , فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان , وبك لا بظبي أعفر , أعذرت ان اغنيت شيا , واسمعت لو
ناديت حيا
ان العصا قرعت لذي الحلم والشيئ تحقره وقد ينمي
وان بادرت بالندامة , ورجعت على نفسك بالملامة , كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك , وان قلت :
(( جعجعة بلا طحن )), و ((رب صلف تحت الراعدة )), وانشدت :
لا يؤيسنك من مخدرة قول تغلظه وان جرحا
فعدت لما نهيت عنه , وراجعت ما استعفيت منه , بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا , ويستحثك نحوها
وكزا وصفعا .
فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك , وتسلط نواطيرها عليك , فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ,
ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك , ذلك بما قدمت يداك , لتذوق وبال امرك , وترى ميزان قدرك
فمن جهلت نفسه قدره راى غيره منه ما لا يرى
لهذه الرسالة أوجه من التميز والعبقرية أورِدها على عجل وباختصار ثم أقوم فيما بعد بإذن الله بالتفصيل فيها :
*السجع : رغم أن كثيرًا من الكتاب يتكلفون السجع ولا يكون له معنى واضح إلا أنه أحسن تطويعه وفقًا للسخرية وجعل تواصله واختلاف قوافيه والتنقل في طول الجُمل عنصرًا فاعلاً في شد انتباه القارئ حتى النهاية .
*الأسلوب : ويشمل التهكم بشكل صريح تارة والتلميح التاريخي تارة أخرى ناهيك عن أساليب الاستفهام الاستنكارية والاعتماد على رسم الصورة الكاريكاتورية.
*الوعي التاريخي : وهنا مربط الفرس ، فإن الشخصيات التي أسقط ابن زيدون خصائصها الإيجابية بسخرية على مناوئه دلت على سعة معرفته بالتاريخ والحوادث التاريخية والثقافية .وكثير منها يحتاج إلى التوضح والشرح ومنها ما هو معلوم لا يحتاج إلى شرح كأنه يقول لغريمه أو لسان حاله "إن كنت لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظم"
إنك تراه وكأنه يقول لمناوئه ومنافسه ساخرًا إنك جاهل لا تعلم دلالة هذه الرموز وإن علمت دلالتها فلن تجاريني في الموضوع ولن ترد علي ّ . لعله مما يبعث على السخرية قوله مثلاً :"وأن كسرى قد حمل لك غاشيتك (الرداء أو العباءة) وقيصر رعى لك ماشيتك !!". حينما تقول لفرد مثلاً إن بيل جيتس ما حصل على ثروته إلا بشوراك ، دايانا ما زادت جمالاً إلا لأنها تخيلتك ،.......إلخ فإنك تقصد شيئًا معروفًا لدى الكثيرين من المعاصرين ، كذلك بعض الرموز التي أشار إليها تسير على هذه الشاكلة . لي عودة لاحقة أرجو أن أوفي فيها هذا العبقري حقه ، ولا تنسوا إبداء آرائكم ، وفقكم الله.