موضوع: الدكتور عبد القادر القط السبت نوفمبر 03, 2012 8:52 am
عبد القادر القط.. آخر منارات جيل الرواد
شيخ النقاد في مصر شجع الأدباء الجدد وشكل همزة وصل بين المبدعين والمؤسسة الثقافية
القاهرة: حمدي عابدين رحلة طويلة حافلة بالعطاء في عالم الأدب والنقد والثقافة قطعها شيخ النقاد الدكتور عبد القادر القط، الذي رحل عن عالمنا يوم الأحد الماضي، بعد صراع مرير مع المرض عن عمر يناهز ستة وثمانين عاما. وسوف تذكر الحياة الثقافية في مصر بامتنان أدوارا عديدة لافتة لعبها الدكتور القط لدفع عجلة الفعل الثقافي والابداعي نحو آفاق أرحب وأعمق، لعل من أبرزها قدرته على اشاعة جو الحوار الصحيح المبني على أسس العقل والاستنارة بين الكتاب والشعراء وتشجيعه المواهب والتيارات الشعرية الجديدة برغم اختلافه الواضح معها.
كما استطاع القط ان يكون همزة وصل قوية في العلاقة بين الكتاب والشعراء وبين المؤسسة الثقافية الرسمية التي تبوأ العديد من المناصب الادبية تحت مظلتها، كان آخرها رئاسته للجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، وحرص على ايجاد نوع من التوازن الفاعل بين اعضائها ليمثلوا شتى التيارات الشعرية.
ولد د. عبد القادر القط عام 1916 بمحافظة الدقهلية، وتخرج في كلية الآداب عام 1938 بعدها عمل موظفا بمكتبة جامعة القاهرة حتى عام 1945، وأوفد الى جامعة لندن في بعثة دراسية للحصول على الدكتوراه بعدها وحصل عليها عام 1950 ليبدأ رحلة جديدة في مسار حياته كناقد وأحد مؤسسي كلية الآداب في جامعة عين شمس عام .1951 وفي الفترة من 1962 وحتى 1973 ترأس د. القط قسم اللغة العربية، وانتخب عميدا للكلية في عامي 1973 و1974، بعدها ترك جامعة عين شمس ليعمل رئيسا لقسم اللغة العربية في آداب جامعة بيروت العربية منذ عام 1975 وحتى .1982 وكان للدكتور الراحل عبد القادر القط دور كبير في الحياة الثقافية المصرية، وتبلورت في رئاسته اربع مجلات ابداعية ما بين اعوام 1964 وحتى 1992 كان آخرها رئاسته لمجلة «ابداع» التي ساهم عندما كان رئيسا لتحريرها في تقديم عدد من الأصوات الابداعية الشابة، واتاحة الفرصة لنشر التجارب الجديدة بخاصة أمام شعراء السبعينات.
وقد كان د. القط قبل رحيله عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة ومقررا للجنة الشعرية ونال في عام 1980 جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب عن كتابه «الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر» ونال جائزة الدولة التقديرية في عام 1984، وحصد أخيرا جائزة مبارك في الأدب حاصلا على 21 صوتا من مجموع أصوات اللجنة (24 صوتاً)، وهو ما يدل على تقدير كبير من أعضاء المجلس لدوره في خدمة الابداع والثقافة المصرية.
* الخراط: شاهد على العصر
* وقال عنه الاديب ادوار الخراط مقرر لجنة القصة بالمجلس ان د. عبد القادر القط علامة راسخة من علامات الفكر والنقد الحديث العربي، فضلا عن شاعريته الرومانسية الرقيقة التي انطوت تحت ولعه الفكري بالتنظير والتأمل وجعلته شاهدا دقيق الملاحظة على العصر ومستحدثاته، كما ان اسهامه في مجال النقد والتأريخ للشعر العربي خاصة لا يمكن نكرانه.
وأضاف الخراط: لقد كان الناقد الراحل د. عبد القادر القط من القلائل الذين عنوا بمستحدثات الأدب التلفزيوني، فلا أكاد أعرف غيره عكف على ملاحظة ونقد مسلسلات التلفزيون من حيث الكتابة والاخراج أو سائر النواحي الأخرى الخاصة التي تتعلق بها كأدب مرئي.
وأشار الى ان الدكتور القط كان من أوائل الذين رحبوا بالتجارب الشعرية الجديدة حتى تلك التي لم يكن مقتنعا بها عقليا أو ذوقيا تمام الاقتناع، لكنه رغم ذلك كان دائما ما يفسح لها المجال ويعطيها الحرية الكاملة في مجلة «ابداع» التي كانت أكثر ازدهارا تحت رئاسته على نحو فريد وفتحت ذراعيها لكثير من المبدعين الشباب وكان الأب الحالي لأجيال كثيرة منهم شعراء وكتاب قصة وروائيون حتى يكاد بحدبه عليهم يغطي اسهامهم النقدي والفكري والادبي المتميز.
وأضاف الخراط: «كانت بيني وبين الناقد الراحل الكبير د. عبد القادر القط محبة خاصة قلما تتكرر».
* مكاوي: جسر بين الحداثة والكلاسيكية
* أما د. عبد الغفار مكاوي فذكر ان «الناقد الراحل د. عبد القادر القط كان بمثابة أبي أو أخي الكبير. ان حضوره في حياتنا يمثل نسمة رقيقة حنونة في وسط الهجير الذي نعاني منه وسوف يظل مكانه شاغرا الى أمد طويل ولن نعوضه بسهولة».
وأشار د. مكاوي الى ان الدكتور القط كان ذواقة للشعر، وصاحب قدرة كبيرة على الابحار فيه وربما ساعده على ذلك انه كان شاعرا وقد استمرت حساسيته الشعرية هذه في كتابته النقدية، فقدم لنا أعمالا مهمة ويأتي كتابه «الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر» في مقدمة الكتب المهمة التي استطاعت تقديم الشعر الذي قام بدراسته بصورة جميلة، وقد أثرت شاعريته في مسيرة حياته ايضا وجعلته راعيا لكثير من الكتاب والتلاميذ الذين صاروا فيما بعد نقادا أصحاب اسهامات نقدية جدية في الحياة الابداعية المصرية.
وذكر مكاوي ان أكثر ما كان يسعد د. عبد القادر القط وقوفه الى جوار تلاميذه وتعريفهم بالأدب العربي، ولعل حرمانه من ذلك بعد صدور قرار بمنع الاساتذة فوق السبعين من التدريس بالجامعة، كان له دور كبير في دخوله في حالة اكتئاب أدت الى تردي حالته الصحية، فنحن لا نستطيع ان نفصل النفس عن الجسم. لكن مع ذلك استمر د. القط في العطاء وكان حضوره لا نظير له في تذويب الفروق بين المذاهب الادبية والاتجاهات النقدية عن طريق مزاوجته بين الاتجاهات الحديثة والمذاهب الكلاسيكية. وقد حاول باسهاماته تقريب الشعر وجعله في متناول قرائه بعيدا عن شعارات المذاهب الحداثية التي اغرقنا النقاد في بحارها، كان الفرق بينه وبينهم انه كان قادرا على استيعابها، واقامة بينها وبين التراث العربي القديم جسرا من التواصل.
وقال مكاوي لقد وقف د. القط بحزم ضد عبودية المذاهب والمصطلحات الاجنبية، وقد جعله هذا يلقى عنتا شديدا من النقاد تلاميذه في السنوات الأخيرة.
وقد ضرب د. القط ـ والكلام مازال للدكتور عبد الغفار مكاوي ـ مثلا في الرحابة واستيعاب ما ينتجه المبدعون مما لا يروق له عندما قدم دراسة كبيرة عن قصيدة النثر والتي كان لا يقبلها ذوقه، ومع ذلك قرأ كما ضخما من الدواوين من أجل اعداد هذه الدراسة.
ودعا د. عبد الغفار مكاوي المسؤولين في المجلس الأعلى للثقافة الى جمع تراث د. عبد القادر القط وطبعه وتقديمه للكتاب والشعراء، فهذا أقل ما يجب ان نفعله تقديرا لهذا الرجل ودوره في خدمة الأدب العربي على مدى أكثر من 50 عاما قضاها في عطاء متواصل ومحب.
* ألفريد فرج: صاحب مدرسة متميزة
* وذكر الكاتب المسرحي ألفريد فرج مقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة ان القراء يعرفون الناقد الراحل د. عبد القادر القط ويعرفون اسهاماته الأدبية وترجماته للمسرح والتي منها مسرحية شكسبير «ريتشارد الثالث» كما يعرفون دوره كناقد مسرحي كبير ورائد ثقافي.
وأشار فرج الى ان الدكتور عبد القادر القط تجاوز اختصاصه في الأدب العربي الى استيعاب الثقافة بوجه عام وقد جعله ذلك أحد أعمدة الثقافة المصرية الحديثة.
وتحدث ألفريد فرج عن دور الدكتور عبد القادر القط في خدمة المسرح المصري، مشيرا الى ان ابحاثه في نقد المسرح رائعة ومهمة جدا، تعلم منها الكثير من النقاد من الأجيال التالية عليه، وقد امتد عطاؤه للاجيال أثناء رئاسته لمجلة «ابداع» والشعر والمسرح والسينما حيث أفسح لهم المجال وقدم الكثير من