موضوع: الـــصـور فى كتاب الأدب العام المقارن السبت نوفمبر 03, 2012 9:23 pm
لقد كانت دراسة صور الأجنبي وتجلياته، خلال عقود طويلة، أحد الأنشطة المفضلة للمدرسة الفرنسية) في الأدب المقارن : لقد بدأت هذ الدراسة مع جان - ماري كاريه، ثم أخذها ماريو - فرانسوا غويار، ودافع عنها، ونشرها في الفصل الأخير من كتابه الصغير ضمن سلسلة كوسيج - ماذا أعرف ؟) عام 1951): " الأجنبي مثلما نراه ". بعد ذلك بوقت قصير، أبدى رينيه ويلك، ضمن مقالة في الكتاب السنوي للأدب المقارن والأدب العام، معارضة شديدة للدراسات التي يعدها أقرب إلى التاريخ أو تاريخ الأفكار منها إلى الأدب. بعد عشر سنوات، ندد إيتامبل في كتابة مقارنة ليست صواباً) بالأعمال التي تهم المؤرخ، وعالم الاجتماع أو رجل الدولة )، إنه يشير إلى أن هذه الأعمال كانت مزدهرة في فرنسا). " تقريباً مثل الدراسات حول الرحالة الإيسلنديين في مدغشقر، والمالغاش في KAMTCHATKA أو السويديين في بانكوك ... ". لقد أثارت دراسات الصور انتقادات. وكانت تمتلك هذه الانتقادات بعض المسوغات، إذا أخذنا بعين الاعتبار بعض رسائل الدكتوراه القديمة أو المقالات التي يظهر فيها، بصورة كاريكاتورية) سقطات هذا النوع من البحث : قائمة بالموضوعات، تجريد النصوص المقبوسة ودراستها كوثائق، توسع في الاقتباسات، تفسيرات مسهبة، خلط بين مجال الأدب ومجال التاريخ .... مع ذلك، وفي الوقت نفسه، وضعت سلسلة من الرسائل قاعدة دراسة الصورة IMAGOLOGIE )(1) :
نذكر منها رسالة أندرية مونشو ألمانيا أمام الآداب الفرنسية من عام 1814 إلى عام 1835، تولوز، 1953)، ورسالة ماريو - فرانسوا غويار صورة بريطانيا العظمى في الرواية الفرنسية - 1914 - 1940، ديدييه، 1954)، ورسالة رينيه شوفال ألمانيا والحرب P.U.F ، 1963)، ورسالة ميشيل كادو صورة روسيا في الحياة العقلية الفرنسية - 1839 - 1856 - فايارد، 1967)، وبعض الرسائل الأخرى التي ستذكر لاحقاً. يمكنها أن تدعم ... المقارنة مع الرسائل التي قدمها مؤرخون مثل رينيه ريمون، الذين طرحوا غالباً دراسات عن الرأي العام مثل الولايات المتحدة أمام الرأي العام الفرنسي - 1815- 1852، كولان، 1962، مجلدان). وحتى إذا ظهر ماريو - فرانسوا غويار مهتماً برسم حدود بين المؤرخين والمقارنين الذين يعطيهم مهمة النقل الأدبي) لصورة، فإنه من الواضح أن دراسة الصورة كانت مشتركة بين المعارف قبل الأدب.
- دراسة الصورة : تأمل معرفي مشترك :
يتقاطع هذا النوع من الدراسات مع البحوث التي يقوم بها علماء السلالات البشرية، وعلماء الإنسانيات، وعلماء الاجتماع، ومؤرخو العقليات والحساسيات، الذين يطرحون مسائل حول ثقافات أخرى، والغيرية (2) ، والهوية، والمثاقفة، والتنافر الثقافي، والاستلاب الثقافي، والرأي العام أو الخيال الاجتماعي. من المهم بالنسبة للمقارن، أن يأخذ بعين الاعتبار التساؤلات التي يمارسها باحثون متقاربون، ليس من أجل نسيان الدراسة الأدبية وتوسيع أرضيتها كثيراً، ولكن من أجل مقابلة هذه المناهج مع مناهج أخرى، خاصة الصورة الأدبية مع شهادات متوازية ومعاصرة، ومع صور انتشرت عبر الصحافة، والأدب الموازي، والسينما، والفنون. يتعلق الأمر جيداً بإعادة تسجيل التأمل الأدبي ضمن تحليل عام يخص ثقافة أو ثقافات عديدة تعود لمجتمعات محددة جيداً. تعد الصورة الأدبية، بهذا الشكل، مجموعة من الأفكار عن الأجنبي مأخوذة ضمن تطور التأديب (3) ) وكذلك أيضاً المجمعة (4) ). هذا المنظور يجبر المقارن على أخذ النصوص الأدبية في الحسبان، وكذلك شروط إبداعها، ونشرها، وتلقيها، وكل أداة ثقافية كتبنا بها، أو عشنا معها، أو فكرنا، وربما حلمنا بها. تقود الصورة إلى مفترقات إشكالية تبدو فيها ككاشف موضح، بصورة خاصة لآليات عمل مجتمع ما ضمن أيديولوجيته التمييز العنصري، والإغرابية مثلاً)، وضمن منظومته الأدبية بوضوح، وضمن خياله الاجتماعي.(5)
مع ذلك، من غير الممكن أن ينفي المقارن خصوصية الفعل الأدبي غالباً عبر قصص الارتحال، والدراسات، والقصص الخيالية، والمسرح - نماذج أجنبية - والشعر بصورة أكثر ندره ).
هذه الحاجة المضاعفة، وهذا التغيير للأفق ليسا دون نتائج ضمن إعادة تحديد حقل تأمل دراسة الصورة )، وكلمة الصورة نفسها.
- الصورة المقارنية :
في المعنى المقارني، يستدعي مفهوم الصورة تعريفاً أو على الأصح فرضية عمل يمكن أن تصاغ على الشكل التالي : كل صورة تنبثق عن إحساس، مهما كان ضئيلاً بالأنا) بالمقارنة مع الآخر، وبهنا) بالمقارنة مع مكان آخر. الصورة هي إذن تعبير، أدبي أوغير أدبي، عن انزياح ذي مغزى بين منظومتين من الواقع الثقافي. إننا نجد، مع مفهوم الانزياح، البعد الأجنبي الذي يؤسس كل فكر مقارني. في علم الاجتماع، يصبح هذا الانزياح اختلاف طبقات اجتماعية، أو أصول، أو فضاءات جغرافية - ثقافية منطقة رئيسية). وفي علم الإناسة ما يتعلق بالإنسان) يصبح الانزياح تعارضاً بين مجتمعات لها كتابتها وتاريخها، ومجتمعات تسمى بدائية ).
إعادة التقديم والانزياح :
الصورة إذن هي إعادة تقديم واقع ثقافي يكشف من خلاله الفرد والجماعة الذين شكلوه أو الذين يتقاسمونه أو ينشرونه)، ويترجمون الفضاء الاجتماعي، والثقافي، والأيديولوجي، والخيالي الذي يريدون أن يتموضعوا ضمنه. هذا الفضاء، المطروح كأفق للدراسة، هو المسرح، والمكان اللذان تتوضح بهما، بطريقة مزخرفة، أي بمساعدة الصور، الكيفية التي ينظر وفقها مجتمع إلى نفسه ويتأمل فيها، وكذلك الكيفية التي يفكر بها بالآخر ويحلم به. مما لاشك فيه، في الواقع، أن صورة الأجنبي يمكن أن تعبر أيضاً عن أشياء حول الثقافة الأصلية الثقافة الناظرة) التي من الصعب أحياناً تصورها، والتعبير عنها، وتخيلها. تستطيع صورة الأجنبي الثقافة المنظورة) إذن، أن تنقل، على مستوى مجازي، حقائق وطنية) لم يعلن عنها وتحدد بصورة واضحة، والتي، من أجل هذا، تقوم على العقيدة) وهي تقوم كذلك، بالنسبة للمقارن، على خيال اجتماعي، مطبوع بالثنائية: هوية غيرية، وتعابير متعارضة ومتكاملة في الوقت نفسه، إن مفهوم دراسة الصورة لاينحصر فقط بدراسة درجة تزييف الصورة، مثلما يطرح الآن أحياناً كل صورة كاذبة بالضرورة، بوصفها تقديماً لبعض الحقائق وتحويلاً لها إلى كلمات)، ولاينحصر كذلك بدراسة الانتقالات الأدبية لما يسمى، للسهولة، واقعاً، ويجب أن ينفتح على دراسة مختلف الصور التي تشكل، في لحظة معينة، تقديم الأجنبي، وعلى دراسة خطوط القوة التي تحكم مجتمعاً، ومنظومته الأدبية، وخياله الاجتماعي.
لايستطيع المقارن، وإن كان أسير الكلام، أن يمنع نفسه من الاقتباس من الحقل المعجمي للبصريات إدراك، نظر، قراءات، رؤيا، وهم) من الثابت أن الصورة تقديم، أي عناصر ماثلة في ذهن الكاتب، والجماعة)، والتي تحل محل عنصر أصلي غائب الأجنبي)، وتقدم بدلاً عنه خليطاً من المشاعر والأفكار التي من المهم معرفة صداها الانفعالي والعقائدي، والمنطق، نريد القول الانزياح الخيالي. الصورة المقارنة ليست نسخة عن الواقع، إنها تتشكل وتكتب بالاعتماد على مخططات، وإجراءات توجد قبلها ضمن الثقافة الناظرة. الصورة لغة، إلى نقطة معينة، وهي لغة ثانية موازية للغة التي يتكلم بها الأنا)، ومتعايشة معها، ومضاعفة لها بصورة من الصور، من أجل التعبير عن الآخر، وقول شيء آخر.
- الصورة لغة رمزية :
الصورة تحمل كل سمات اللغة مثلما حددها اللغويون، مثل إميل بينفينيست. ويمكن تطبيقها، دون تعسف، على الصورة : تعبير الحديث هو حديث عن شيء معين انطلاقاً من مكان التعبير) ؛ وتشكيل ضمن وحدات متميزة كل واحدة منها هي إشارة من هنا تأتي ضرورة وصف هذه اللغة التي هي الصورة )؛ ومرجع بالنسبة لكل أعضاء جماعة بشرية واحدة تكشف صور الآخر الانتساب إلى ثقافة)، وتحيين (6) واحد للاتصال بين الأفراد : تخدم الصورة، خاصة الأدبية، في قول شيء معين)، وهذا الشكل من الدلالة الثقافية الأحادية حالة النمط )(7) هو الذي يسبب مشكلة ضمن إطار دراسة أدبية. ولكن الصورة هي أيضاً لغة ثانية لأسباب أخرى.
إنني أنظر إلى الآخر، وصورة الآخر تنقل أيضاً نوعاً من الصورة عن هذه الأنا) التي تنظر، وتتكلم، وتكتب. من المستحيل تجنب ألاّ تبدو صورة الآخر، على مستوى فردي كاتب)، وجماعي مجتمع، أو بلد، أو أمة)، ونصف جماعي عائلة فكرية، رأي، أدب)، نفياً للآخر أيضاً، وتتمة وتعميقاً للأنا) وفضائها. تريد الأنا) الحديث إلى الآخر لأسباب ضرورية ومعقدة غالباً) ولكن في حديثها إلى الآخر، تصل إلى نفيه، وتحادث نفسها. في مستوى آخر، من بين كل اللغات الرمزية التي يمتلكها مجتمع معين للتعبير عن نفسه، وللتفكير لنفكر - بالموضة - التي درسها رولان بارت في - نظام الموضة)، تعد الصورة واحدة منها، ووظيفتها التعبير عن العلاقات بين الشعوب والثقافات، وهي علاقات ليست فعّالة بمقدار ماهي مُعتقدة، أو يحلم بها بين المجتمع الذي يعبر وينظر والمجتمع المنظور. الصورة فعل ثقافة ، وممارسة إناسية متعلقة بالإنسان) للتعبير عن الهوية والغيرية في الوقت نفسه واللباس، والمطبخ لغات رمزية أخرى) ضمن هذا المجال، للصورة مكانتها ضمن العالم الرمزي الذي نسميه خيالاً)، والذي سمي خيالاً اجتماعياً لأنه لاينفصل عن تنظيم اجتماعي، وثقافي.
أخيراً، الصورة لغة لأن كل تقديم، بالمعنى الذي قصدناه هنا، يوجد من أجل التواصل. ولهذا فإن الصورة تستحق تحليلاً يستطيع أن يتبنى نوعاً من علم الدلالة، بتوسع وحرية بصورة خاصة. من أجل إعادة استخدام كلمات رولان بارت في عناصر علم الدلالة )، فإن للصورة وظيفة - إشارة).
نقول إن هذه السمة متعددة المعاني، تطال أحياناً الدلالة الأحادية، وهي التي تسبب مشكلة في دراسة أدبية. في لحظة تاريخية معينة، وضمن ثقافة ما، ليس ممكناً قول أي شيء عن الآخر) وكتابة. إن النصوص التي يدرسها علم الصورة، والتي تسمى أحياناً صورية - نمطية، هي نصوص مبرمجة، في قسم منها، ويمكن تأويلها مباشرة إلى حد ما عن طريق الجمهور الذي يعرف الصورة كلياً أو جزئياً للثقافة، والقول اللذين عبر عنها بهما. بالإضافة إلى ذلك، إن الخطابات عن الآخر) المتنكرة بالخيال، ليست مطلقة عددياً، إنها متسلسلة بحسب رأي المؤرخين. وتعدادها، وإظهارها، وشرحها يعني فهم كيف أن الصورة لغة رمزية داخل منظومة ثقافية، وخيال اجتماعي، هذا هو موضوع دراسة الصورة
- الأنماط Stéréotypes
تبقى الصورة كلمة مبهمة، متنقله في كل مكان، مناسبة زوراً. هل من المفيد التفكير بشكل خاص وشامل للصورة :
النمط. هنا أيضاً، أصاب الغموض غالباً هذه الدراسة غير المعروفة كثيراً في الأدب) بسبب مسألة زيف النمط ونتائجه الأساسية على المستوى الثقافي .
- من العلامة إلى الإشارة :
إذا قبلنا أنه يمكن مواجهة كل ثقافة بوصفها فضاء لابتكار علامات وإنتاجها، ونشرها هذا يؤدي إلى تصور كل ظاهرة ثقافية كتطور تعبير وأيضاً كاتصال متعدد المعاني ضمن آليته ووظيفته)، فإن النمط) يبدو ليس كعلامة كظاهرة مولدة لدلالات) وأيضاً كإشارة ترجع بصورة آلية إلى تفسير واحد ممكن. يصبح النمط) دليلاً على اتصال مشارك(8) ، وثقافة في طريقها إلى التوقف. ضمن هذه الثقافة، أو بدقة أكثر ضمن هذا القطاع الاجتماعي - الثقافي أو ذاك، أو ضمن أي نص مهما كان نوعه، يجد الخيال نفسه مقتصراً على رسالة وحيدة، أي القدرة على انتاح أشكال، وإذن دلالات، القدرة على التشكلية الشعرية التي تتطلبها كل ثقافة أو ظاهرة ثقافية :
يصبح النمط) إذن رمزاً متعدد الدالات والدلالات. مع ذلك، من الصعب قبول ألايكون للنمط الدعائي، مثلاً، إلا رسالة واحدة يجب إيصالها. سيكون أكثر صحة القول وبطريقة أكثر بساطة) بأن النمط يطلق، في الواقع، رسالة أساسية). ينشر هذا الرمز صورة) أساسية، أولية وأخيرة وجوهرية.
- الخلط بين الخاصية والأساس :
إذا تأملنا في إنتاج النمط، نلاحظ أنه يخضع لتطور بسيط في التكوين : الخلط بين الخاصية والأساس يجعل ممكناً التعميم الدائم من الخاص إلى العام، ومن المفرد إلى الجمع : " X هي واحد [....] "، " إنهم كلهم ...[...] ". يتموضع النمط، في النص، في مستوى الوصف غالباً : إن الوصف هو الذي سيصبح أساسياً، والتابع يرجع إلى تعريف واحد ممكن. إن الاتصال المتصور مثالياً، ونظرياً) يتطلب الترميز الذي يسمح بالانتاج الجماعي للمعنى، في حين أن الاتصال النمطي، يتموضع في مستوى تطور التعريف والإسناد. من هنا جاءت الصيغة : " هذا الشعب هو ... "، " هذا الشعب ليس ..." " هذا الشعب يعرف أن يعمل .... " أو " لايعرف " . بيان في الحاضر لماهيات لازمانية يستطيع النمط بتوسع أن يكون عالمياً جمعياً، ويستخدم أيضاً في حكاية مع زمن ماضٍ )، إنه التعبير عن زمن متوقف : زمن الماهيات. من هنا التقنين الممكن للنمط، وانتشاره ضمن كل تعبير ثقافي يقدم على شكل سلسلة الأدب الصناعي في القرن التاسع عشر، حلقات، ميلودراما، إعلانات، دعاية ....)، أو ضمن كل إنتاج ينزع إلى شكل مشترك المثل مثلاً ).
- الماهية والتفرع الثنائي :
إن فائدة النمط، ضمن الاتصال، واضحة : إنه يطلق شكلاً أدنى من المعلومات من أجل اتصال أشمل، وأكثر اتساعاً ممكناً، وينزع، في كل حالة، إلى التعميم. وهذا ما يتناسب مع الأساس.
إنه شكل من الموجز، والمختصر الرمزي لثقافة نمط، " فكرة مستقبلة " عزيزة على فلوبير). النمط هوالذي يقيم علاقة تناسب بين مجتمع وتعبير ثقافي مبسط : رفع الملحق، والصفة إلى مكانة الماهية الأساس) يستدعي التوافق الاجتماعي - الثقافي في حده الأعلى الممكن.
النمط حامل لتعريف الآخر)، وهو البيان عن معرفة جماعية دنيا تريد أن تكون مشروعة، في أي لحظة تاريخية مهما كانت.
النمط ليس متعدد الدلالات الثقافية : في المقابل، إنه متعدد السياقات كثيراً، وقابل لإعادة الاستخدام في كل لحظة. نضيف أنه إذا كانت العقيدة تتميز، من بين ما تتميز به، بالخلط الحاصل بين القاعدة الأخلاقية، والاجتماعية) والخطاب، فإن النمط يمثّل، غموضاً ناجحاً، ولهذا السبب فعّالاً.
من هنا، يطرح النمط، بطريقة خفيّة، طبقة دائمة، وتفرعاً ثنائياً حقيقياً للعالم والثقافات. القول بأن الفرنسي شارب للنبيذ يعد نمطاً، ونمطاً ذاتياً إذا كان الأمر يتعلق بالفرنسي الذي يلفظ هذا القول. يتعارض هذا التعريف الذاتي بطريقة مبدئية، وأساسية مع الانكليزي شارب الشاي أو الألماني شارب الجعة. في الواقع، يهدف هذا التعارض إلى وضع طبقة لصالح الفرنسي، داخل ثقافة فرنسية. هذا المثال التبسيطي يقود إلى نسيان كتابة لأحد أساتذة النثر الفرنسي في عصر الردة) موريس باريس، في روايته الصغيرة مثلاً COLETTE BAUDOCHE التي لاقت نجاحاً كبيراً، وتتقابل فيها بطريقة نظامية الثقافة الفرنسية أو بصورة أدق ثقافة لورين)، والثقافة البروسية، أي اللاتينية الحضارية من وجهة نظر الكاتب والجمهور الذي يتوجه إليه )، والجرمانية، أي البربرية.
هكذا، يطرح النمط في تعارضه، وهو يعارض لسبب واحد هو أنه ملفوظ : إنه يثبت في الوقت نفسه الذي يلفظ. إنه إضمار استثنائي للروح، والمحاكمة العقلية، وقياس دائرة متواصل : إنه يظهرما يجب إثباته. وهو ليس فقط دليلاً على ثقافة متجمدة، بل يكشف عن ثقافة ضعيفة، تكرارية تستبعد كل مقاربة نقدية لصالح بعض الإثباتات من النوع الجوهري والانتقائي التمييزي ).
- الخلط بين الطبيعة والثقافة :
هل يجب أيضاً رؤية كيف يتشكل التعريف الذي يحمله النمط. إنه يحدث خلطاً بين نظامين لوقائع متمايزة ومتكاملة : الطبيعة، والثقافة، الإنسان والفعل. لن نندهش من أهمية التسجيل الفيزيولوجي في خدمة لفظ نمط وإنتاجه الأنف المعقوف بالنسبة لليهود، ابتسامة - أسنان - بيض عند الزنوج ... إلخ)
الطبيعة تسوّغ، وتضمن وضعاً ثقافياً : بسبب الأنف المعقوف يأخذ اليهود نقودنا، أسنان بيض - وجه ضاحك لطفل كبير، يجب إذن تنشئته بشدة ضمن استعمار جيد. إن طبيعة الآخر هي التي تفسر ثقافته، ووجوده يفسر عمله الدوني) والعمل المتفوق) للأنا التي تلفظ .يحافظ النمط على الخلط النموذجي للعقيدة بين الوصفي الخطاب : " هذا الشعب هو " ...) والمعياري المعيار، نقول "هذا الشعب لايعرف " .... " لايستطيع ") يختلط الوصفي الخاصية الجسدية) مع النظام المعياري دونية هذا الشعب، أو هذه الثقافة ). ترتكز العقيدة العنصرية، في كل تجلياتها، على العرض الكاذب للدونية الجسدية، والعقلية للآخر أو شذوذه بالمقارنة مع المعيار الذي يطرحه متكلم يعد متفوقاً ).
من الواضح أن هذا التأملات تدين للعلوم الإنسانية أكثر مما تدين به للأدب. إنها تشارك، بطريقة ما، في إشكالية تخص الأدب العام النمط كعلاقة بين التعبير الأدبي، أوالموازي للأدب والمجتمع) بمقدار ما تخص الأدب المقارن. ولكن دراسات الصور الأدبية، أو الثقافية، لها الفضل في إعادة توجيه تأمل الأدب نحو مشاكل ذات طبيعة اجتماعية وثقافية لها مكانتها ضمن الدراسات التي تسمى بحق أدباً عاماً )(9) .
نعود إلى تعريف الصورة كجزء من نص، واتصال مبرمج جزئياً، من أجل تمييز ثلاثة عناصر مركبات) للصورة، بطريقة نظرية، أو ثلاثة مستويات للدراسة الإيماغولوجية)، التي ستشرح لمزيد من الإيضاح، وفق نظام التركيب المتصاعد : الكلمة، العلاقة الطبقية، السيناريو ).
- من الكلمة إلى الصورة :
كعنصر أولي، تشكيلي للصورة، نعاين مخزوناً واسعاً إلى حد ما من الكلمات التي تسمح، في عصر وثقافة معينين، بالنشر الفوري لصورة الآخر ).
- اختبار المعجم المصطلح ).
تشكل هذه الكلمات، وضمن نصوص، هذه المجموعات الفعلية، وهذه الشبكات المعجمية، وهذه الحقول الدلالية، مخزناً مفهومياً وشعورياً مشتركاً إلى حد ما، من حيث المبدأ، بين الكاتب وجمهوره القارئ. نميز بين كلمات أساسية وكلمات مبتكرة، وبين منظومتين معجميتين ترجع إلى مشاكل مرت سابقاً عند الحديث عن الترجمة للكلمات النابعة من البلد الناظر التي تخدم في تحديد البلد المنظور):
والكلمات المأخوذة من البلد المنظور، كلمات اللغة - المنبع، والتي وضعت، دون ترجمة، في نصوص البلد الناظر، وفي لغة - المصب، وأيضاً في خياله. من أجل إظهار المجموعة الأولى والاستفادة من الصور الفرنسية عن إسبانيا، نذكر بصورة عشوائية : " شهامة "، " نبل "، " شرف "، "عاطفة "، " غيرة"، " كسل " التي تستخدم منذ قرون في وصف الرجل الإسباني ضمن الثقافة الفرنسية.
تستطيع مثل هذه المفردات أن تبعث دراسة تطورية الحقبة الطويلة للمؤرخين) من أجل العودة حتى القرن السابع عشر، أو ما قبله، وتقديم ملاحظات حول حضور هذا الإسباني المتخيل، وطبيعته، ووظيفته، والذي عبر عنه من خلال الصور، أي وضع في كلمات داخل الخيال الفرنسي العلماني الجمعي. ولكن هناك كلمات استخدمت بين القرنين السادس عشر والثامن عشر مثل حذلقة، تبجح، هوس، رومانسي). إن التعرّف على مثل هذه الكلمات، وتركيب شبكات معجمية منها مع غيرها، وتقديم نظائر ممكنة انطلاقاً منها، كل ذلك يعد غوصاً داخل الخيال الاجتماعي والذي هو موضوع اهتمامنا. وسيكون البحث أكثر خصوبة أيضاً وأكثر مقارنية) مع الكلمات غير المترجمة، أي المتعذر ترجمتها، لأنها تنقل واقعاً أجنبياً مطلقاً وتدل عليها، وهذا الواقع عنصر غيري لايتبدل :" HIDALGO - نبيل بالإسباني "، " ANDANGO - رقصة إسبانية "، " SOMBRERO - قبعة مكسيكية " ، " في حين أننا نستطيع أن نقول CHAPEAU أو FEUTRE وهما كلمتان فرنسيتان تعنيان قبعة ـ "، وكذلك CASTAGNETTES (10) و MANTILLES ،(11)
وهي كلمات لم تستطع الفرنسية التغلب عليها، وبقيت مرتبطة بجذورها الإسبانية. عند الحديث عن الأسبنة، نتذكر الإيطالينة التي يتكلم عنها رولان بارت بخصوص دعاية غذائية اتصالات 4)
- كتابة الغيرية :
لأن اهتمامنا ينصب على الكتابة عن الغيرية الغير)، من المهم أن نكون يقظين إزاء كل مايسمح بالاختلاف الآخر مقابل الأنا)، أو التمثّل الآخر الشبيه، أو المختلف قليلاً عن الأنا).
- اختلاف أو تمثل :
في الحالة الثانية، نرى كل ما تستطيع دراسة معجمية في البداية استخلاصه من مفهومات عملياتية مثل التناظر، وبصورة عامة، من كل طبقات المقارنة التي تسمح بالانتقال من سلسلة إلى أخرى، ومن كل التكافؤات الممكنة. إننا نجد مع التكافؤ) مسائل طُرحت في فصل الترجمة. الصورة هي ترجمة للآخر)، وهي أيضاً ترجمة ذاتية. إذا أعدنا أخذ المفردات الفرنسية عن إسبانيا، مثلا من الواضح أنه في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر كانت الكلمات التكبّر، الغيرة، الكسل، الرومانسي) تتعارض بطريقة منهجية مع صورة فرنسية تقوم على القياس، والمحفوظ، والعمل، والعقل.
وإذا تبين لنا، عرضاً، أن هذه الكلمات توجد بوضوح ضمن الأدب الإسباني بدرجات متفاوته، فإننا نتصور، عندئذ، حقيقتين مهمتين : دور التوسيط الثقافي والرمزي الذي يستطيع أن يقوم به الأدب والفن بصورة عامة في تشكيل الصور وحتى البسيطة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أهمية السياق الثقافي، لأن هذه الكلمات لا تحمل القيمة نفسها ولا الوظيفة نفسها عندما تشكل صورة ذاتية ويلفظها أسبان للاستخدام الداخلي)، أو صورة مختلفة الكلام الذي يقوله فرنسي عن الإسبان)
- تعداد الاتفاقات :
ضمن النص المدروس، سيكون التحليل المعجمي يقظاً إزاء كل أثر للتكرار، والإعادة، وإزاء بعض الاتفاقات، وكل ظهور آلي في اختيار المفردات المتعلقة خاصة برسم الأماكن فضاءات أجنبية، كما سنرى لاحقاً)، والمقاييس الزمنية حجز تسلسلي، تاريخي أو مغلوط تاريخياً للآخر)، وإزاء معجم الحجز الخارجي أو الداخلي للآخر. واختيار الأعلام اهتمام موجه للكنية، وبعض الأسماء القريبة من الرسم الساخر من خلال تناغمها مثلاً)، وإزاء كل ما يسمح، في مستوى الكلمة، بمنظومة علاقات، وتبادلات بين الآخر والأنا. من المناسب نزع الصفة بانتباه إيجابية أو سلبية)، ومبادئ تشكلها، وتوزيعها والتي تساعد على فهم بعض أساليب الوصف. ظاهرياً، سننزع الأساليب التي تسمح بالانتقال من المجهول إلى المعلوم أو العكس سيرورة طرحت في الفصل السابق)، من آثار الابتعاد، والدخيل، والتجنس، والإلحاق، والنفي أوالتهميش.
- فهرس صور وأفكار:
في هذا المستوى، يعد الخيال الذي تُرجع إليه هذه الصورة بالكلمات أوهذا المعجم المصور، نوعاً من الفهرس، أو معجم صور : وهذا، كما نقول، الأداة المفهومية، والشعورية لجيل أوعدة أجيال، أو لطبقة اجتماعية معينة، أو مشتركاً بين عدة عناصر اجتماعية - ثقافية تحمل آراء مختلفة. يعتقد أن مادعي حديثاً تاريخ الأفكار) هوهنا تاريخ كلمات وصور. تعيد مثل هذه الكلمة، مبدئياً إلى خيار ديني، وسياسي، وفلسفي مع آثار جمعية قابلة للتبدل : هذا عمل العقيدة. أي مقارن سيقول، بعد عدة عقود، الثروة الأدبية، والعقائدية لكلمات مثل goulag أو Shoah) في الغرب؟
الفظاظة) الإسبانية صفة انتقلت إلى صف الجوهر الماهية)، وخدمت بصور مختلفة ولكن مع معاني مختلفة وفق العصور والسياقات) الرأي العام البروتستانتي في القرن السادس عشر، والرجل الشريف في القرن السابع عشر، والفيلسوف والموسوعي في القرن الثامن عشر، والرومانسي الدخيل في القرن التاسع عشر، والديمقراطي المعادي للفرانكونية في القرن العشرين.
يمكن لدراسة الصورة) أن تكون المساعد الفعّال لتاريخ الأفكار إلى نقطة معينة، لأن الأمر لايتعلق بكشف تصورات أو مفهومات ضمن منظومات فلسفية أو سياسية، ولكن بأفكار ومشاعر داخل جماعات، وعائلات ذات رأي ضمن محيطات أكثر حركة.
- الكلمات، والأفكار، والاستيهامات.
إننا نرى كيف تستطيع مثل هذه الاستدلالات المعجمية أن تساعد في تحليل الخطاب النقدي، مثلاً في حالة التلقي انظر الفصل الثالث)، لأن هذه النصوص تستطيع أن تكون منظمة، إلى نقطة معينة، بالنسبة للصور، ويمكن لبعض العناصر المعجمية أن تتطابق مع تطورات بسيطة للدلالة. الكلمة المقصودة هنا ليست بعيدة، في طبيعتها ووظيفتها، عن النمط .
إنها تستطيع أن تولد انعكاسات دلالية متشابهة غالباً : هذا ما دعوناه سابقاً فك الرموز الفوري إلى حد ما. يتعلق الأمر، إذن، بكلمات رئيسية، موثقة من التاريخ والعالم - الجمعي. في حالة الكلمات الاستيهامية، تكون النتائج أكثر تعقيداً لأن الدلالات المضمرة أكثر عدداً، وترسم حقولاً دلالية أكثر سعة، أي فك رموز أقل تشابهاً أو آلية. إن الكلمة Fantasme لا تخدم فقط التواصل اللغوي ولكن أيضاً فعل الحلم والتواصل الرمزي. نقتبس، بصورة عشوائية، كلمات مثل Harem - حريم) حلم كل تلاميذ الإعدادية) كما يقول فلوبير في معجمه، و Odalisque - جارية الحريم)، و Desert - صحراء التي تدعى آثارها بصورة عامة إثارية)، وتساعد على تشكيل فضاء شرقي هذا الشرق الذي اخترعه الغرب) من أجل إعادة أخذ العنوان الفرعي لكتاب إدوارد سعيد الاستشراقية ، سوي، 1980 ). ألا تستحق هذه الكلمات الاستيهامية تسمية مشابهة لأنها تواريخ ممكنة، و سيناريو) في حالة مضمرة، وإذن أسطورة)، وتواريخ أسطورية بالقوة، أو على الأقل تستطيع أن تخدم ميثولوجيا) جماعية أو فردية.