الحمد لله الرزاق ذي القوة المتين,
يعطي من يشاء برحمته, ويحرم من يشاء بحكمته,
فهو سبحانه اللطيف الخبير,
والصلاة والسلام على البشير النذير،
والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً كثيراً.
إن المولى جل وعلا قد كتب لكل إنسان
نصيبه من الرزق,
وقد تكفل سبحانه برزق عباده تفضلاً منه عليهم,
وقد أخذ على نفسه عهداً أنه لن تموت نفسٌ
حتى تستكمل رزقها الذي كتبه لها,
وتبلغ أجلها الذي أجله لها,
ولما كان الأمر كذلك أمر سبحانه وتعالى عباده
ألا يطلبوا الرزق إلا منه سبحانه؛
فهو مالك الملك والملكوت.
وبيّن لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أن نطلب ما عند الله من الرزق بحسن طاعته,
وامتثال أوامره، ولا نطلبه بارتكاب نواهيه,
فما عند الله يُطلب بالطاعة ولا يطلب بالمعصية؛
لأن المعاصي من أقوى الأسباب
التي تمنع وصول الرزق إلى العباد,
وإن حدث لهم شيء من الرزق فهو ممحوق البركة.
ومن المقرر عقلاً وشرعاً أن الله إذا أراد شيئاً
هيَّأ له الأسباب,
فكما أنه توجد موانع للرزق،
كذلك توجد أسباب يُستجلب بها الرزق,
والأسباب التي يستجلب بها الرزق كثيرة،
منها على سبيل المثال:
1. كثرة الاستغفار:
قال تعالى:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا,
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا,
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}
[نوح 10-12].
فالاستغفار باب عظيم من أبواب الرزق,
أضف إلى ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "
من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً،
ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب".
التوبة مع الاستغفار:
قال تعالى:
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}
[هود: (52)].
3. إقامة دين الله والاستقامة عليه:
قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ... }
[المائدة من الآية (66)].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "
حدٌّ يُعمل به في الأرض خير لأهل الأرض
من أن يُمطروا أربعين صباحاً".
4. مداومة المراقبة والتقوى لله عز وجل:
قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...}
[الأعراف من الآية 96].
وقال تعالى:
{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا, وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}
[الطلاق 2-3].
والتقوى -أخواني الأحباء-
أن تجعل بينك وبين محارم الله وقاية,
وذلك بفعل المأمور من الطاعات,
وترك المحظور من المعاصي والمنكرات.
5. حسن التوكل على الله:
وحقيقة التوكل إظهار الفقر والعجز والاعتماد الكلي
على الله جل وعلا.
قال تعالى:
{... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ...}
[الطلاق من الآية (3)].
وقال -صلى الله عليه وسلم-
"لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم
كما يرزق الطير
تغدو خِماصاً وتعود بطاناً"
6. الإنفاق في سبيل الله جل وعلا:
قال تعالى
{...وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ...}
[سبأ من الآية (39)].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال الله تبارك وتعالى
"يا ابن آدم أنفق أُنفق عليك, وقال يد الله ملأى
لا تغيضها النفقة سحاء الليل والنهار.
أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض فإنه
لم يغض ما في يده.."
7. الإحسان إلى الفقراء والضعفاء:
عن مصعب بن سعد قال:
رأى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-
أنه له فضل على من دونه،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-
"هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم.
8. الشكر:
قال تعالى:
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
[إبراهيم: (7)].
9. صلة الرحم:
إن صلة الرحم لها فضل عظيم في البركة
والتوسعة في الرزق.
عن أنس -رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"من سره أن يُبسط له في رزقه،
أو ينسأ له في أثره؛
فليصل رحمه".
10. المحافظة على أذكار الصباح والمساء:
المحافظة على أذكار الصباح والمساء
لها فضل كبير
ولاسيما الأذكار المتعلقة بالرزق،
مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-:
"اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني
بفضلك عمن سواك".
11. كثرة الدعاء:
فعليك يا أخي بكثرة الدعاء والتضرع إلى الله،
وأبشر بالإجابة فهو سبحانه سميع الدعاء،
قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ
إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[ البقرة (185)].
وادعوه وأنت موقنٌ بالإجابة، وادعوه دعوة المضطر،
قال تعالى:
{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ...}
[النمل: (من الآية (62)].
فإذا دعوته -سبحانه وتعالى-
دعوة المضطر كانت إجابته أقرب إليك من أي شيء،
فاجتهد في الدعاء وتحري أوقات الإجابة,
وتجنب موانع الدعاء وأبشر بالخير.
فعلينا -أيها الأحبة-
أن نجتهد ونأخذ بالأسباب
الجالبة للرزق, ونتجنب الموانع,
ونثق بما عند الله من خير, ونتقرب إليه
بكل ألوان الطاعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً,
وأن ننتهي عن كل معاصيه كبيرها وصغيرها,
وأن نحقق العبودية له سبحانه وتعالى
في كل شؤون حياتنا,
ونظهر له الفقر والحاجة والعوز,
وأنه لا غنى لنا عن رحمته,
ونُظهر كذلك الغنى به عن كل ما سواه,
فهو سبحانه الغني الحميد, فمن توكل عليه كفاه,
ومن التجأ إليه هداه, ومن افتقر إليه أغناه,
ومن تقرب إليه قرَّبه وأدناه،
ومن أعرض عنه قلاه وجفاه,
فالله أسأل أن يرزقنا من واسع فضله,
وأن يرزقنا بغير حساب,
وأن يبارك لنا فيما يرزقنا به فهو سبحانه
صاحب الفضل والكرم والجود.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وإلى رقائق أخرى إيمانية
شكرا لتواجدكم معنا