عدد المساهمات : 1335 تاريخ التسجيل : 23/10/2012 الموقع : الأسكندرية
موضوع: قصة أصحاب الأخدود والفائدة من ذكرها الأحد نوفمبر 04, 2012 7:54 pm
إخوانى الإعزاء إليكم قصة أصحاب الأخدود والفائدة من ذكرها .
عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( كان ملك فيمن كان قبلكم ، و كان له ساحر ، فلما كبر قال للملك :
إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاماً يعلمه ، و كان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه و سمع كلامه فأعجبه ،
و كان إذا أتى الساحر مر بالراهب و قعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب فقال : إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي و إذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر .
فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ...
فأخذ حجراً فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها و مضى الناس ....
فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى فإن ابتليت فلا تدل علي ...
و كان الغلام يبرئ الأكمه و الأبرص ، و يداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس الملك و كان قد عمي
فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ههنا لك أجمع ، إن أنت شفيتني ، فقال إني لا أشفي أحداً .إنما يشفي الله تعالى ،
فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى . فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك : من رد عليك بصرك ..؟
قال ربي قال ولك رب غيري ؟..! .. قال ربي و ربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام
فقال له الملك : أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ منه الأكمه و الأبرص و تفعل و تفعل فقال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى ...
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار
في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ، ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه به حتى وقع شقاه .. ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى ،
فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا و كذا فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه ،
و إلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا ، و جاء يمشي إلى الملك ،
فقال له الملك ما فعل بأصحابك فقال كفانيهم الله تعالى ... فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور و توسطوا به البحر ،
فإن رجع عن دينه و إلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا .و جاء يمشي إلى الملك ...
فقال له الملك ما فعل بأصحابك فقال كفانيهم الله تعالى ... فقال للملك أنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال ما هو ؟ ..
قال تجمع الناس في صعيد واحد و تصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل :
بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ... فجمع الناس في صعيد واحد و صلبه ثم أخذ سهماً من كنانته ،
ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه فمات ....
فقال الناس آمنا برب الغلام .. فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس .
فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت و أضرم فيها النيران و قال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه ففعلوا حتى جاءت امرأة
و معها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أماه اصبري فإنك على الحق ))
رواه الإمام مسلم كتاب الزهد و الرقائق باب قصة الغلام و رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأبصار و رواه الإمام الترمذي في باب سورة البروج .
فهذا الحديث و إن كان يحمل في جوانبه رقائق و زهد ، فإنه يحمل في ثناياه معان عظيمة ، و فوائد جليلة و أفكار بناءة ،
و هذا ليس بعيداً عن الحديث النبوي الجليل ، فقد أوتي صلى الله عليه و سلم جوامع الكلم و كان الفقهاء يستنبطون من الحديث الواحد فوائد فقهية و تربوية ... جمة....
و لو رحنا نتعمق في هذا الحديث كلمة كلمة و فقرة فقرة ، لتبين لنا أن هذا الحديث من الأحاديث المهمة
في التربية و التطور و الثقة بالله ... و تصحيح بعض المفاهيم .فمن هذه الفوائد هذه الباقة العطرة :
1- الفائدة الأولى : فأما الفائدة الأولى من هذا الحديث ،
فإن بطل هذه القصة المثيرة هو غلام و هذا الغلام هو الذي أجرى الله على يديه على الأحداث السابقة الواردة
في الحديث النبوي الشريف ... و هذا يجعلنا ، بل يثير انتباهنا كي نهتم بالأطفال أبلغ اهتمام ،
يقول الرافعي رحمه الله ( إن الفج اليوم هو الناضج غداً ) . فالأطفال اليوم و إن كانوا أطفالاً ،
فهم في الغد رجال ، سيحملون ما يحملون من أفكار ... و ربما مجدد العصر يكون بين هذه الأطفال .
إن علاقتنا مع أطفالنا علاقة عضوية فقط ، علاقة طعام و شراب و نسب .. أما علاقة التربية فهي منقطعة فالتربية هي :
عملية بناء الطفل شيئاً فشيئاً إلى حد التمام و الكمال . و التربية مأمور بها الإنسان المسلم لأولاده :
(( قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة )) (( ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوذانه أو ينصرانه أو يمجسانه ))
الفائدة الثانية : أما الفائدة الثانية من الحديث فتستشفها من قول الراهب " أي بني أنت اليوم أفضل مني "
هذه هي النقطة الفاصلة التي لم نستطع حتى الآن و منذ قرون أن نتجاوزها و هي اعتراف الأستاذ بأن تلميذه أصبح أفضل منه ..
و حتى الآن لم نسمع – إلا نادراً – أن أستاذاً مدح تلميذه و قرظه و هذا الأمر"
إن يكن غريباً بعض الشيء " إلا أنه يحمل فيه معنيين هامين : 1- تواضع العالم الأستاذ 2- إن المجتمع لن يتقدم و لن يتحسن حاله ،
إذا بقي التلميذ مثل أستاذه يقلده في كل شيء . إن أحسن أحواله أن يصبح مثل أستاذه يقلده في كل شيء . إن أحسن أحواله أن يصبح مثل أستاذه نسخة ثانية عنه فيشرح متونه و يختصر شروحه ..
يقول الشيخ محمد علي الطنطاوي رحمه الله : " إن سبب الركود العلمي في بلاد الشام في القرن الماضي هو فقدان التشجيع "
و أي تشجيع أعظم من أن يمدح الأستاذ تلميذه و يعترف بجهوده . ولقد كانت إحدى وسائل التشجيع عند النبي عليه السلام
إطلاق بعض الألقاب العلمية على الصحابة المتميزين كقوله عليه السلام " أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد .."
إننا بحاجة ماسة إلى هذه النقطة في كافة المجالات حتى يبدأ التلميذ من حيث انتهى أستاذه و يساهم في بناء قلعة الإسلام ..
الفائدة الثالثة : و هي تكمن في صدق الالتجاء إلى الله تعالى و طريقة الدعاء و الثقة بالإجابة و ذلك عندما قال : (( اللهم اكفنيهم بما شئت )) .
و هو دعاء غريب جداً .. يحمل فيه ذلك الغلام الثقة المطلقة بالله عز و جل . . . .
و استغنى عن التفصيل في كيفية و آلية النجاة ، و كلها لله سبحانه و تعالى . فآلية النجاة و كيفيتها لا تأتي حسبما يخطط له الإنسان ،
و إنما تأتي على الكيفية التي يريدها الله سبحانه و تعالى وما على الإنسان إلا ويحسن الثقة بالله سبحانه ويكل الآليات له سبحانه .
الفائدة الرابعة : الإصرار على نشر الدعوة و هذا يؤخذ من هذا المشهد الذي تكرر مرتين في الحديث " و جاء يمشي للملك "
فلماذا بعدما نجا في المرة الأولى و في المرة الثانية لم يهرب بل عاد إلى الملك الظالم ... إن في عنقه رسالة لابد أنه مؤديها لذلك عاد مرة تلو المرة
إنه يعطي درساً عظيماً للدعاة ، في الإصرار على الدعوة و في الإصرار على إظهار الحق و تحديه للباطل
الفائدة الخامسة : تكمن هذه الفائدة ... في تبني عامة الناس المبدأ الصحيح . حيث طلب هذا الغلام من الملك أن يجمع له الناس على صعيد واحد ...
و لو سألنا أنفسنا لماذا طلب الغلام هذا الطلب ... يتبين لنا أن المبدأ السليم والفكر الصحيح إذا استفاض
و اعتنقه عامة الناس لم يقف أمامه طغيان طاغ أو ظلم ظالم .. لذلك طلب موسى أن يجتمع الناس في وقت متميز
هو يوم عـيد وفي ساعة متميزة هي وقت الضحى " قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى "
و إن أغلب الأفكار إذا لم يتبناها عامة الناس تضيع- أو ربما تؤجل – و على هذا .. فإن الإسلام لن ينتشر بالنخبة أو الطبقة المثقفة وحدها فلا بد أن تبناه عامة الناس في بيوتهم و في معاملهم .
الفائدة السادسة : تحديد مفهوم النصر : حيث قام هذا الغلام – الذي هو أفضل بكثير من رجال في هذه الأمة – قام بتوضيح مفهوم النصر ...
و ليس مفهوم النصر ... أن ينتصر الغلام . . . إنما المفهوم الحقيقي للنصر هو انتصار المبدأ السليم والفكر الصحيح .
و هذا واضح من خلال دلالة هذا الغلام الملك على طريقة قتله فلو كان مفهوم النصر نصر للأفراد و الأشخاص و ليس للمبدأ
لم يدله على هذه الطريقة و إنمابين للناس جميعا أن المفهوم الحقيقي للنصر هو انتصار المبدأ لا انتصار الأفراد والأشخاص.
الفائدة السابعة : و تتمثل في الثبات على مبدأ الحق الذي سطع و ذلك من خلال الفقرة التي مثلت صورة الأم مع طفلها و قول الطفل
(( يا أماه اصبري فإنك على حق )) . و لعل صفة الثبات على المبدأ من أهم الصفات التي
يجب أن يتمتع بها الإنسان المسلم في عصرنا هذا و في كل العصور و لاسيما و نحن نرى .. سرعة تخلي الإنسان عن مبدئه مقابل عرض من الحياة الدنيا
و صدق رسول الله " يمسي الرجل مؤمناً و يصبح كافراً و يصبح الرجل مؤمنا
ً و يمسي كافراً يبيع رئيسه بعرض من الحياة الدنيا " والله ولي التوفيق