موضوع: من حكايات السندباد السفرة السابعة للاطفال الأحد نوفمبر 04, 2012 10:46 pm
من حكايات السندباد السفرة السابعة للاطفال
الحكاية السابعة من حكايات السندباد البحري وهي السفرة السابعة وفي الليلة السابعة والخمسين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما حكى حكاية سفرته السادسة وراح كل واحد إلى حال سبيله بات السندباد الحمال في منزله ثم صلى الصبح وجاء إلى منزل السندباد البحري وأقبل الجماعة. فلما تكلموا ابتدأ السندباد البحري بالكلام في حكاية السفرة السابعة وقال اعلموا يا جماعة أني لما رجعت من السفرة السادسة وعدت لما كنت عليه في الزمن الأول وأنا متواصل الهناء والسرور ليلاً ونهاراً وقد حصل لي مكاسب كثيرة وفوائد عظيمة فاشتاقت نفسي إلى الفرجة في البلاد وإلى ركوب البحر وعشرة التجار وسماع الأخبار فهممت بذلك الأمر وحزمت أحمالاً بحرية من الأمتعة الفاخرة وحملتها من مدينة بغداد إلى مدينة البصرة فرأيت مركباً محضراً للسفر وفيه جماعة من التجار العظام فنزلت معهم واستأنست بهم وسرنا بسلامة وعافية قاصدين السفر وقد طاب لنا الريح حتى وصلنا إلى مدينة الصين ونحن في غاية الفرح والسرور نتحدث مع بعضنا في أمر السفر والمتجر. فبينما نحن على هذه الحالة وإذا بريح عاصف هب من مقدم المركب ونزل علينا مطر شديد حتى ابتلينا وابتلت حمولنا فغطينا الحمول باللباد والخيش خوفاً على البضاعة من التلف بالمطر وصرنا ندعوا الله تعالى ونتضرع إليه في كشف ما نزل بنا مما نحن فيه فعند ذلك قام ريس المركب وشد حزامه وتشمر وطلع على الصاري وصار يلتفت يميناً وشمالاً وبعد ذلك نظر إلى أهل المركب ولطم على وجهه ونتف لحيته فقلنا يا ريس ما الخبر فقال لنا اطلبوا من الله تعالى النجاة مما وقعنا وابكوا على أنفسكم وودعوا بعضكم واعلموا أن الريح قد غلب علينا ورمانا في آخر بحار الدنيا. ثم إن الريس نزل من فوق الصاري وفتح صندوقه وأخرج منه كيساً قطناً وفكه وأخرج منه تراباً مثل الرماد وبله بالماء وصبر عليه قليلاً وشمه ثم إنه أخرج من ذلك الصندوق كتاباً صغيراً وقرأ فيه وقال لنا اعلموا يا ركاب أن في هذا الكتاب أمراً عجيباً يدل على أن كل من وصل إلى هذه الأرض لم ينج منها بل يهلك فإن هذه الأرض تسمى إقليم الملوك وفيها قبر سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام وفيه حيات عظام الخلقة هائلة المنظر فكل مركب وصل إلى هذا الإقليم يطلع له حوت من البحر فيبتلعه بجميع ما فيه. فلما سمعنا هذا الكلام من الريس تعجبنا غاية العجب من حكايته فلم يتم الريس كلامه لنا حتى صار المركب يترفع بنا عن الماء ثم ينزل وسمعنا صرخة عظيمة مثل الرعد القاصف فارتعبنا منها وصرنا كالأموات وأيقنا بالهلاك في ذلك الوقت وإذا بحوت قد أقبل على المركب كالجبل العالي ففزعنا منه وقد بكينا على أنفسنا بكاء شديداً وتجهزنا للموت وصرنا ننظر إلى ذلك الحوت ونتعجب من خلقته الهائلة وإذا بحوت ثان قد أقبل علينا فما رأينا أعظم خلقة منه ولا أكبر. فعند ذلك ودعنا بعضنا ونحن نبكي على أرواحنا وإذا بحوت ثالث قد أقبل وهو أكبر من الاثنين اللذين جاءا قبله وصرنا لا نعي ولا نعقل وقد اندهشت عقولنا من شدة الخوف والفزع ثم إن هذه الحيتان الثلاثة صاروا يدورون حول المركب وقد أهوى الحوت الثالث ليبتلع المركب بكل ما فيه وإذا بريح عظيم ثار فقام المركب ونزل على شعب عظيم فانكسر وتفرقت جميع الألواح وغرقت جميع الحمول والتجار والركاب في البحر. فخلعت أنا جميع ما علي من الثياب ولم يبق علي غير ثوب واحد ثم عمت قليلاً فلحقت لوحاً من ألواح المركب وتعلقت به ثم إني طلعت عليه وركبته وقد صارت الأمواج والأرياح تلعب بي على وجه الماء وأنا قابض على ذلك اللوح والموج يرفعني ويحطني وأنا في أشد ما يكون من المشقة والخوف والجوع والعطش وصرت ألوم نفسي على ما فعلته وقد تعبت نفسي بعد الراحة وقلت لروحي يا سندباد يا بحري أنت لم تتب كل مرة تقاسي فيها الشدائد والتعب ولم تتب عن سفر البحر وإن تبت تكذب في التوبة فقاس كل ما تلقاه فإنك تستحق جميع ما يحصل لك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الثامنة والخمسين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما غرق في البحر ركب لوحاً من الخشب وقال في نفسه أستحق جميع ما يجري لي وكل هذا مقدر علي من الله تعالى حتى أرجع عما أنا فيه من الطمع وهذا الذي أقاسيه من طمعي فإن عندي مالاً كثيراً ثم إنه قال وقد رجعت لعقلي وقلت إني في هذه السفرة قد تبت إلى الله تعالى توبة نصوحاً عن السفر وما بقيت عمري أذكره على لساني ولا على بالي ولم أزل أتضرع إلى الله تعالى وأبكي ثم إني تذكرت في نفسي ما كنت فيه من الراحة والسرور واللهو والطرب والانشراح ولم أزل على هذه الحالة أول وثاني يوم إلى أن طلعت على جزيرة عظيمة فيها شيء كثير من الأشجار والأنهار فصرت آكل من ثمر تلك الأشجار وأشرب من ماء تلك الأنهار حتى انتعشت وردت لي روحي وقويت همتي وانشرح صدري ثم مشيت في الجزيرة فرأيت في جانبها الثاني نهراً عظيماً من الماء العذب ولكن ذلك النهر يجري جرياً قوياً: فتذكرت أمر الفلك الذي كنت فيه سابقاً وقلت في نفسي لابد أن أعمل لي فلكاً مثله لعلي أنجو من هذا الأمر فإن نجوت به حصل المراد وتبت إلى الله تعالى من السفر وإن هلكت ارتاح قلبي من التعب والمشقة ثم إني قمت فجعلت أخشاباً من تلك الأشجار من خشب الصندل العال الذي لا يوجد مثله وأنا لا أدري أي شيء هو ولما جمعت تلك الأخشاب تخليت بأغصان ونبات من هذه الجزيرة وفتلتها مثل الحبال وشددت بها الفلك وقلت إن سلمت فمن الله ثم إني أنزلت في ذلك الفلك وسرت به في ذلك النهر حتى خرجت من آخر الجزيرة ثم بعدت عنها ولم أزل سائراً أول يوم وثاني يوم وثالث يوم بعد مفارقة الجزيرة وأنا نائم ولم آكل في هذه المدة شيئاً ولكن إذا عطشت شربت من ذلك النهر وصرت مثل الفرخ الدايخ من شدة التعب والجوع حتى انتهى بي الفلك إلى جبل عال والنهر داخل من تحته. فلما رأيت ذلك خفت على نفسي من الضيق الذي كنت أنا فيه أول مرة في النهر السابق وأردت أن أوقف الفلك وأطلع منه إلى جانب الجبل فغلبني الماء فجذب الفلك وأنا فيه ونزل به حت الجبل فلما رأيت ذلك أيقنت بالهلاك وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولم يزل الفلك سائراً مسافة يسيرة ثم طلع إلى مكان واسع وإذا هو واد كبير والماء يهدر فيه وله دوي مثل دوي الرعد وجريان مثل جريان الريح فصرت قابضاً على ذلك الفلك بيدي وأنا خائف أن أقع فوقه والأمواج تلعب يميناً وشمالاً في وسط ذلك المكان ولم يزل الفلك منحدراً مع الماء الجاري في ذلك الوادي وأنا لا أقدر على منعه ولا أستطيع الدخول به في جهة البر إلى أن رسى بي على جانب مدينة عظيمة المنظر مليحة البناء فيها خلق كثير. فلما رأوني وأنا في ذلك الفلك منحدر في وسط النهر مع التيار رموا علي الشبكة والحبال في ذلك الفلك ثم أطلعوا الفلك من ذلك النهر إلى البر فسقطت بينهم وأنا مثل لميت من شدة الجوع والسهر والخوف فتلقاني من بين هؤلاء الجماعة رجل كبير في السن وهو شيخ عظيم ورحب بي ورمى لي ثياباً كثيرة جميلة فسترت بها عورتي ثم إنه أخذني وسار بي وأدخلني الحمام وجاء لي بالأشربة والروائح الذكية ثم بعد خروجنا من الحمام أخذني إلى بيته وأدخلني فيه ففرح بي أهل بيته ثم أجلسني في مكان ظريف وهيأ لي شيئاً من الطعام الفاخر فأكلت حتى شبعت وحمدت وبعد ذلك قدم لي غلمانه ماء ساخناً فغسلت يدي وجاءني حواريه بمناشف من الحرير فنشفت يدي ومسحت فمي ثم إن ذلك الشيخ قام من وقته وأخلى لي مكاناً منفرداً وحده في جانب داره وألزم غلمانه وجواريه بخدمتي وقضاء حاجتي وجميع مصالحي فصاروا يتعهدونني ولم أزل على هذه الحالة عنده في دار الضيافة ثلاثة أيام وأنا على أكل طيب وشرب طيب ورائحة طيبة حتى ردت لي روحي وسكن روعي وهدأ قلبي وارتاحت نفسي. فلما كان اليوم الرابع تقدم إلي الشيخ وقال لي آنستنا يا ولدي والحمد لله على سلامتك فهل لك أن تقوم مع إلى ساحل البحر وتنزل السوق فتبيع البضاعة وتقبض ثمنها لعلك تشتري بها شيئاً تتجر فيه. فسكت قليلاً وقلت في نفسي ليس معي بضاعة وما سبب هذا الكلام قال الشيخ يا ولدي لا تهتم ولا تفكر فقم بنا إلى السوق فإن رأينا من يعطيك في بضاعتك ثمناً يرضيك أقبضه لك وإن لم يجيء فيها شيء يرضيك أحفظها لك عندي في حواصلي حتى تجيء أيام البيع والشراء فتفكرت في أمري وقلت لعقلي طاوعه حتى تنظر أي شيء تكون هذه البضاعة ثم إني قلت له سمعاً وطاعة يا عم الشيخ والذي تفعله فيه البركة ولا يمكنني مخالفتك في شيء ثم إني جئت معه إلى السوق فوجدته قد فك الفلك الذي جئت فيه وهو من خشب الصندل وأطلق المنادي وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة التاسعة والخمسين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما ذهب مع الشيخ إلى شاطئ البحر ورأى الفلك الذي جاء فيه من خشب الصندل مفكوكاً وراء الدلال يدلل عليه التجار وفتحوا باب سعره وتزايدوا فيه إلى أن بلغ ثمنه ألف دينار وبعد ذلك توقف التجار عن الزيادة فالتفت لي الشيخ وقال اسمع يا ولدي هذا سعر بضاعتك في مثل هذه الأيام فهل تبيعها بهذا السعر أو تصبر وأنا احفظها لك عندي في حواصلي حتى يجيء أوان زيادتها في الثمن فنبيعها لك فقلت له يا سيدي الأمر أمرك فافعل ما تريد فقال يا ولدي أتبيعني هذا الخشب بزيادة مائة دينار ذهباً فوق ما أعطى فيه التجار فقلت له بعتك وقبضت الثمن. فعند ذلك أمر غلمانه بنقل الخشب إلى حواصله ثم إني رجعت معه إلى بيته فجلسنا وعد لي جميع ثمن ذلك الخشب وأحضر لي أكياساً ووضع المال فيها وقفل عليها بقفل حديد وأعطاني مفتاحه وبعد مدة أيام وليالي قال الشيخ يا ولدي إني أعرض عليك شيئاً وأشتهي أن تطاوعني فيه فقلت له وما ذاك الأمر فقال لي اعلم أني بقيت رجلاً كبير السن وليس لي ولد ذكر وعندي بنت صغيرة السن ظريفة الشكل لها مال كثير وجمال فأريد أن أزوجها لك وتقعد معها في بلادنا ثم إني أملكك جميع ما هو عندي وما تمسكه يدي فإني بقيت رجلاً كبيراً وأنت تقوم مقامي فسكت ولم أتكلم فقال لي أطعني يا ولدي في الذي أقوله لك فإن مرادي لك الخير فإن أطعتني زوجتك ابنتي وتبقى مثل ولدي وجميع ما في يدي وما هو ملكي يصير لك وإن أردت التجارة والسفر إلى بلادك لا يمنعك أحد وهذا مالك تحت يدك فافعل به ما تريد وما تختاره. فقلت له والله يا عم الشيخ أنت أمرت مثل والدي وأنا قاسيت أهوالاً كثيرة ولم يبق لي رأي ولا معرفة فالأمر أمرك في جميع ما تريد. فعند ذلك أمر الشيخ غلمانه بإحضار القاضي والشهود فأحضرهم وزوجني ابنته وعمل لنا وليمة عظيمة وفرحاً كبيراً وأدخلني عليها فرأيتها في غاية الحسن والجمال بقد واعتدال وعليها شيء كثير من أنواع الحلي والحلل والمعادن والمصاغ والعقود والجواهر الثمينة التي قيمتها ألوف الألوف من الذهب ولا يقدر أحد على ثمنها. فلما دخلت عليها أعجبتني ووقعت المحبة بيننا وأقمت معها مدة من الزمان وأنا في غاية الأنس والانشراح وقد توفي والدها إلى رحمة الله تعالى فجهزناه ودفناه ووضعت يدي على ما كان معه وصار جميع غلمانه غلماني وتحت يدي في خدمتي وولاني التجار مرتبته لأنه كان كبيرهم فلما خالطت أهل تلك المدينة وجدتهم تنقلب حالتهم في كل شهر فتظهر لهم أجنحة يطيرون بها إلى عنان السماء ولا يبقى متخلفاً في ذلك المدينة غير الأطفال والنساء فقلت في نفسي إذا جاء رأس الشهر أسأل أحداً منهم فلعلهم يحملوني معهم إلى أين يروحون فلما جاء رأس ذلك الشهر تغيرت ألوانهم وانقلبت صورهم فدخلت على واحد منهم وقلت له بالله عليك أن تحملني معك حتى أتفرج وأعود معكم فقال لي هذا شيء لا يمكن فلم أزل أتداخل عليه حتى أنعم علي بذلك وقد رافقتهم وتعلقت به فطار بي في الهواء ولم أعلم أحداً من أهل بيتي ولا من غلماني ولا من أصحابي ولم يزل طائراً بي ذلك الرجل وأنا على أكتافه حتى علا بي في الجو فسمعت تسبيح الأملاك في قبة الأفلاك فتعجبت من ذلك وقلت سبحان الله فلم أستتم التسبيح حتى خرجت نار من السماء كادت تحرقهم فنزلوا جميعاً وألقوني على جبل عال وقد صاروا في غلبة الغيظ مني وراحوا وخلوني فصرت وحدي في ذلك الجبل فلمت نفسي على ما فعلت وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إني كلما أخلص من مصيبة أقع في مصيبة أقوى منها ولم أزل في ذلك ولا أعلم أين أذهب وإذا بغلامين سائرين كأنهما قمران وفي يد كل واحد منهما قضيب من ذهب يتعكز عليه. فتقدمت إليهما وسلمت عليهما فردا علي السلام فقلت لهما بالله عليكما من أنتما وما شأنكما فقالا لي نحن من عباد الله تعالى ثم إنهما أعطياني قضيباً من الذهب الأحمر الذي كان معهما وانصرفا في حال سبيلهما وخلياني فصرت أسير على رأس الجبل وأنا أتعكز بالعكاز وأتفكر في أمر هذين الغلامين وإذا بحية قد خرجت من تحت ذلك الجبل وفي فمها رجل بلعته إلى تحت صرته وهو يصيح ويقول من يخلصني يخلصه الله من كل شدة فتقدمت إلى تلك الحية وضربتها بالقضيب الذهبي على رأسها فرمت الرجل من فمها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. وفي الليلة الستين بعد الخمسمائة قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما ضرب الحية بالقضيب الذهب الذي كان بيده وألقت الرجل من فمها قال فتقدم إلي الرجل وقال حيث كان خلاصي على يديك من هذه الحية فما بقيت أفارقك وأنت صرت رفيقي في هذا الجبل فقلت له مرحباً وسرنا في ذلك الجبل وإذا بقوم أقبلوا علينا فنظرت إليهم فإذا فيهم الرجل الذي كان حملني على أكتافه وطار بي فتقدمت إليه واعتذرت له وتلطفت به وقلت له يا صاحبي ما هكذا تفعل الأصحاب بأصحابهم فقال لي الرجل أنت الذي أهلكتنا بتسبيحك على ظهري فقلت له لا تؤاخذني فإني لم أكن أعلم بهذا الأمر ولكنني لا أتكلم بعد ذلك أبداً فسمح بأخذي معه ولكن اشترط علي أن لا أذكر الله ولا أسبحه على ظهره ثم إنه حملني وطار بي مثل الأول حتى أوصلني إلى منزلي فتلقتني زوجتي وسلمت علي وهنتني بالسلامة وقالت لي احترس من خروجك بعد ذلك مع هؤلاء الأقوام ولا تعاشرهم فإنهم إخوان الشياطين ولا يعلمون ذكر الله تعالى فقلت لها كيف حال أبيك معهم فقالت لي إن أبي ليس منهم ولا يعمل مثلهم والرأي عندي حيث مات أبي أنك تبيع جميع ما عندنا وتأخذ بثمنه بضائع ثم تسافر إلى بلادك وأهلك وأنا أسير معك وليس لي حاجة بالقعود هنا في هذه المدينة بعد أمي وأبي. فعند ذلك صرت أبيع من متاع ذلك الشيخ شيئاً بعد شيء وأنا أترقب أحداً يسافر من تلك المدينة وأسير معه فبينما أنا كذلك وإذا بجماعة في المدينة أرادوا السفر ولم يجدوا لهم مركباً فاشتروا خشباً وصنعوا لهم مركباً كبيراً فاكتريت معهم ودفعت إليهم الأجرة بتمامها. ثم نزلت زوجتي وجميع ما كان معنا في المركب وتركنا الأملاك والعقارات فسرنا ولم نزل سائرين في البحر من جزية إلى جزيرة ومن بحر إلى بحر وقد طاب لنا ريح السفر حتى وصلنا بالسلامة إلى مدينة البصرة فلم أقم بها بل اكتريت مركباً آخر ونقلت إليه جميع ما كان معي وتوجهت إلى مدينة بغداد ثم دخلت حارتي وجئت داري وقابلت أهلي وأصحابي وأحبابي وخزنت جميع ما كان معي من البضائع في حواصلي وقد حسب أهلي مدة غيابي عنهم في السفرة السابعة فوجدوها سبعاً وعشرين سنة حتى قطعوا الرجاء مني. فلما جئت وأخبرتهم بجميع ما كان من أمري وما جرى لي صاروا كلهم يتعجبون من ذلك الأمر عجباً كبيراً وقد هنوني بالسلامة ثم إني تبت إلى الله تعالى عن السفر في البر والبحر بعد هذه السفرة السابعة التي هي غاية السفرات وقاطعة الشهوات وشكرت الله سبحانه وتعالى وحمدته وأثنيت عليه حيث أعادني إلى أهلي وبلادي وأوطاني فانظر يا سندباد يا بري ما جرى لي وما وقع لي وما كان من أمري فقال السندباد البري للسندباد البحري بالله عليك لاتؤاخذني بما كان مني في حقك ولم يزالوا في مودة مع بسط زائد وفرح وانشراح إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب القصور ومعمر القبور وهو كأس الموت فسبحان الحي الذي لا يموت.