تحت عنوان: "القاهرة تعلن خليل الخوري أول روائي عربي، كتب عبده وازن في الصفحة الأولى من جريدة الحياة يوم الخميس 8 نوفمبر 2007: "هذه المرة جاء النبأ اليقين من القاهرة. اللبناني خليل أفندي الخوري هو أول روائي عربي وروايته الطريفة "وي… إذن لست بإفرنجي"الصادرة عام 1859 هي الأولى عربيا. هذه الرواية المجهولة اكتشفها مصادفة الباحث المصري محمد سيد عبد التواب وسرعان ما تبناها "المجلس الأعلى للثقافة" في القاهرة." ويشير وازن إلى الروايات التي نسب لكل منها في فترات مختلفة، سبق البداية، "زينب" (1914) لمحمد حسين هيكل، ثم "غادة الزاهرة" (1899) لزينب فواز. ثم الانتباه إلى رواية سليم البستاني "الهيام في جنان الشام" (1870) وأخيرا إعلان رواية فرانسيس مرّاش "غابة الحق" (1865) الرواية الأولى. ويضيف وازن: إن رواية خليل الخوري "لا تتميز فقط بريادتها التاريخية أو الزمنية، وانما بجوها الروائي ولغتها وشخصياتها. إنها الأولى في المعنى التأسيسي في الفن الروائي العربي. فهي على خلاف الروايات السابقة، خالية من الثقل الإنشائي والسرد البطيء والبعد الأخلاقي والتعليمي ومبنية وفق النموذج الأوروبي للصنيع الروائي. (…). ولعل اعتماد صاحبها لغة هي بين الفصحى والعامية يؤكد مدى وعيه للفن الروائي الذي شاء أن يكون قريبا من لغة الحياة." وقد ساعد اتقان خليل خوري للفرنسية "على الإفادة من مفهوم الرواية الفرنسية وتقنياتها الحديثة" آنذاك، فراح يبني رواية وفق المعمار الأوروبي، متخلصا من العوائق الكثيرة التي كانت تعترض العمل الأدبي، ومبتعدا من [هكذا] فن المقامة والسرديات الأولى." شددت بالبنط الأسود عبارات هي في تقديري بيت القصيد، حيث الموقف المعلن هنا والمضمر في عشرات الدراسات النقدية الأخرى هو أن شرط كتابة الرواية يفترض أمرين: القطيعة مع الموروث (الابتعاد عن فن المقامة والسرديات)، وثانيهما الكتابة "وفق النموذج الأوروبي"
تنشر جريدة الحياة، وهي إحدى الصحف العربية الأوسع إنتشاراً بين القراء العرب في العالم العربي وخارجه، الخبر في حيّز يحتل خُمس الصفحة الأولى المخصصة في الغالب الأعم للأخبار السياسية، والتي يندر نشر أخبار ثقافية فيها. الرواية الأولى إذن خبر هام وإن كانت أهميته، في رأيي على الأقل، لا تكمن في مطلق الخبر نفسه أي "اكتشاف" رواية أسبق تاريخياً بل في دلالة تعيين بدء سلالة أدبية. إذ يستحيل فصل خطاب البدايات عن مترتباته ومسارات تطوره. يعرف المتتبعون لتاريخ الرواية في الأدب العربي الحديث أن تعيين زينب رواية أولى (لا حديث عيسى بن هشام على سبيل المثال)، كان له منطلقاته الفكرية ومترتباته الثقافية، وأنه يصعب بل ويستحيل فصل هذه المنطلقات والمترتبات معا عن الواقع الكولونيالي، حيث لا تفتصر علاقات القوى بين المستعمر والمستعمر (الأولى بكسر الميم والثانية بفتحها) على الواقع السياسي المباشر فحسب بل تتبدى في مجالات أخرى، منها مختلف أشكال الممارسة الاجتماعية بما فيها التاريخ والأدب وتاريخ الأدب والذائقة العامة.
لن أحمل القارئ إلى تفاصيل نظرية حول العلاقة بين الهيمنة الكولونيالية والقطيعة مع الموروث الثقافي، كما أؤجل الحديث عن ذلك الملمح الممتد في تاريخ الثقافة العربية من منتصف القرن التاسع عشر حتى الآن، وأعني به النظرة الاستشراقية للذات، نظرة ترى في الاعتراف بانحطاط الأنا وتخلفها شرطًا أساس من شروط حداثة تعتبرها علاجًا روحيًا وعقليًا، ثم المفارقة العجيبة في السعي إلى التحرر والنهوض عبر هذه الحداثة رغم كونها هي نفسها ركيزة من ركائز الهيمنة الكولونيالية.[i]
أدخل مباشرة في الحديث عن مشروع أحمد فارس الشدياق وهو مشروع سأقتصر في تناوله على عرض ومناقشة نص واحد من نصوصه هو الساق على الساق فيما هو الفارياق (1855)، وهو ما لا يمنع من الاستعانة بنصوص أخرى له تعيننا على إضاءة النص موضوع الدراسة. وأملي ألا أكتفي بإقناع القارئ بدعواي أن الساق على الساق هو الرواية العربية الأولى والأهم، فهذا غرض ثانوي في هذه الدراسة، بل أن أورّطه عبر الاشتباك مع النص، في أسئلة تتعلق بالتاريخ عمومًا وبالتاريخ الأدبي على وجه الخصوص وما تمتلكه المؤسسة النقدية من سلطة التهميش أو التصدير وتشكيل الذائقة الأدبية. قبل طرح هذه الأسئلة أبدأ بتعريف مختصر وسريع بالكاتب:
إنه فارس الشدياق (?1805-1887)[ii] الأديب واللغوي والصحفي والمترجم والمُحقِّق. له عشرات الكتب، نشر بعضها، وبقي البعض الآخر مخطوطًا لم يعثر له بعد على أثر. أنجز فضلا عن الساق على الساق فيما هو الفارياق (1855)، كتابي رحلة هما الواسطة إلى معرفة أحوال مالطة وكشف المخبا عن فنون أوروبا (1283هجرية/1866/1867م)[iii] ، ومجموعة من الكتب في فقه اللغة أهمها سر الليال في القلب والإبدال (1284 هجرية/ 1867-1868) الجاسوس على القاموس (1299هجرية/1881-1882م) ومنتهى العجب في معرفة لغة العرب الذي احترقت مخطوطته ولم ينشر منه سوى جزء صغير في جريدة الجوائب. كما وضع عددا من كتب النحو المدرسية، "وتكشف لنا [هذه الكتب] عن باحث لغوي وعالم في فقه اللغة لم يصادف تاريخ الأدب العربي مثله من أيام ابن جني وابن فارس وأمثالهما من كبار اللغويين" (عبد الغني حسن، 142). وللشدياق ترجمات عديدة أهمها ترجمته للكتاب المقدس. أسس الشدياق في اسطنبول، إحدى الجرائد العربية الأهم والأوسع انتشارا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وهي جريدة الجوائب، كما أسس لاحقاً مطبعة تخصها نشرت عشرات الكتب التراثية المحققة، و"لم يبذها في زمانها في هذا المضمار إلا مطبعة بولاق"(الصلح 133).
ولد فارس الشدياق لأسرة مارونية لبنانية ثم تحول إلى البروتستانتية في شبابه، ثم إلى الإسلام في كهولته فصار يعرف باسم أحمد فارس. وكان من أسباب انفصاله عن الكنيسة المارونية ما لاقاه شقيقه الأكبر أسعد الشدياق من تلك المؤسسة. (اعتقل أسعد بسبب علاقته بالمبشرين البروتستنت وعذب إلى أن مات). غادر فارس لبنان إلى مصر ومنها إلى مالطة وهو في مطلع العشرينيات من عمره ثم عاد ثانية إلى مصر وأقام فيها ما يقرب من ست سنوات (بين عامي 1828 و1834)، وعمل لفترة من الوقت في جريدة الوقائع المصرية، ثم انتقل مجدداً إلى مالطة حيث عمل مع المبشرين البروتستنت في ترجمة وتصحيح الكتب العربية الصادرة عن مطبعتهم، وفي تعليم اللغة العربية. وفي عام 1848 وبعد إقامة في مالطة طالت ما يقرب من ثلاث عشرة سنة تخللتها أسفار متعددة إلى بلاد الشام وتونس وإيطاليا وانجلترا، غادر الشدياق مالطة إلى انجلترا حيث أقام ثلاثة أعوام أنجز فيها بالاشتراك مع المستشرق الإنجليزي صمويل لي (1783-1852)، ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية. بعدها انتقل إلى باريس وعاش فيها عامين. ثم عاد وانتقل إلى لندن وأقام فيها أربع سنوات. وفي 1857 سافر إلى تونس حيث أشهر إسلامه وأقام عامين يعمل في مجال الترجمة. وأخيرا استقر به المقام في الآسيتانة وفيها أسس جريدة الجوائب، وهي جريدة سياسية أسبوعية صدر العدد الأول منها عام 1861. رأس الشدياق تحرير الجوائب وأسهم في الكتابة فيها بانتظام، كما أشرف من خلال مطبعة الجوائب التي أنشأها عام 1870، على نشر عدد من المخطوطات العربية التراثية، قام بتحقيق بعضها. اعتبر الشدياق الأب المؤسس لفن المقالة وللصحافة العربية. وقد جمعت مقالاته في الجوائب في سبعة أجزاء صدرت بين عامي 1871 و1880.
كان الشدياق بحكم إقامته الطويلة في أوروبا، وعمله في مجال الترجمة ثم الصحافة لاحقًا أكثر رجال النهضة العربية "عناية بمعضلة المسميات الجديدة، واختيار الأسماء العربية لها" (الصلح، 152). وتدين له اللغة العربية الحديثة بمصطلحات عديدة وضعها واستخدمها فشاعت بين الناس، منها: الاشتراكية والجامعة ومجلس الشورى والانتخاب والجريدة والباخرة والمستشفى والصيدلية والمصنع والمعمل والمتحف والمعرض والملهى والحافلة وطابع (البريد) والملاكمة والممثل والسكة الحديد وغيرها.
وكانت هذه الاصطلاحات "ثمرة تدرج في محاولات متعددة لتأدية المعنى على الوجه الأصح. وهذه المراحل كانت بمثابة سنة عنده فكان يعيد النظر إلى اللفظة التي يضعها فيبدل بها لفظة أخرى، ويتقلب الاسم بين يديه ويطول هذا التقلب حتى يطمئن" إلى المصطلح الجديد. ومثال ذلك استخدامه ‘لمركب النار‘ ثم ’سفينة النار‘ باعتبار أن النار لا الهواء هو محرك السفينة ثم استبدل بها ’سفينة البخار‘ ليستقر أخيرا على ’الباخرة‘ (الصلح، 149).
ويقول فواز طرابلسي وعزيز العظمة في مقدمتهما لمختارات من أعمال الشدياق:
يحتل أحمد فارس الشدياق موقعا متفردا بين رجالات النهضة العربية الحديثة، ولا مبالغة في القول أننا ندين له بمعظم ما هو حي وجديد في لغتنا والأدب في القرن التاسع عشر. الشدياق اللغوي نقد "القاموس المحيط" للفيروزبادي ("الجاسوس على القاموس" اسطنبول 1881) وأبان فيه أربعا وعشرين مثلبة. واختاره لغويو مصر لتقديم "لسان العرب" لابن منظور في طبعة بولاق الشهيرة (1883) وكانت له حوارات شهيرة في اللغة مع أنصاره (…) وخصومات وسجالات في هذا الحقل(…) على أن الشدياق، خلافا للكثير من اللغويين، لم يكتف بسبر أعماق اللغة وبيان أسرارها، بل كان رائدا في تجديدها(8).
عندما توفي الشدياق في عام 1887، كان نجماً مستتباً في عالم الثقافة العربية، مشهوداً له كأديب ولغوي وصحفي موسوعي المعارف نادر القدرات. وكان رحيله ثم وصول جثمانه إلى بيروت حدثاً كبيراً ترددت أصداؤه في الصحف، وكتب في رثائه عشرات الشعراء من مجايليه ومريديه. ومن بين الأقلام التي رثته شكيب أرسلان (الذي تأثر به وهو بعد شاب يافع) وصديقه سامي البارودي (وكان ساعتها منفيًا) وغريمه الشرتوني وكانت بينهما خلافات حادة ومماحكات عنيفة (انظر/ي عبدالغني حسن، 186-194).
وظل الشدياق معترفًا له بالمكانة حتى العقود الأولى من القرن العشرين، فلم يكد يبقى أحد من مؤرخي الأدب إلا يكتب عنه. ومع تقدم القرن العشرين كانت شهرته تخبو تدريجيًا، ولا ينتبه إلى إنجازه سوى المتخصصين في القرن التاسع عشر والمهتمين بكتاب "النهضة".
لماذا أُسقط إنجاز الشدياق وقد أنتج النص الأدبي الأغنى والأقوى في الأدب العربي في القرن التاسع عشر؟
وهل نجد إجابة شافية في الرد الذي قدمه فواز طرابلسي وعزيز العظمة من أن سبب تهميش الشدياق يرجع أساسا إلى مواقفه الجذرية من القضايا السياسية والاجتماعية ومنها مواقفه من المرأة والجنس ومهاجمته الكنيسة؟[iv]
لماذا لم يعتبر الشدياق الرائد الأول للنهضة وقد طرح من موقع متقدم كافة القضايا الأساسية: قضية الاستبداد المعرفي، قضية حرية المعتقد، قضية حرية التعبير في مواجهة السلطة القابضة، قضية حرية المرأة وقضية العلاقة بالموروث الثقافي وقضية العلاقة بالآخر الغربي، وغيرها من القضايا التي طرحت من أجل التحديث؟
لماذا لم يتوقف المغرمون بالحداثة وما بعدها بالقيمة التجريبية المدهشة لإنجاز الشدياق وهو يضرب عرض الحائط بالقوالب الجاهزة ويخلق نصًا يكاد يستعصي على أي تصنيف مسبق بل وتصنيف لاحق؟
لماذا اعتبرت معارف الشدياق اللغوية الهائلة وارتباطه بالموروث الأدبي العربي عبئًا لا ميزة؟
لماذا لم تنل كتاباته عن الغرب على أهميتها الكبيرة، ما نالته كتابات الآخرين (رفاعة الطهطاوي على سبيل المثال)؟
لماذا لم يتوقف الدارسون والحديث يجري في السنوات الأخيرة قليلاً وكثيراً حول قضايا الاستشراق، أنه الكاتب العربي الأول الذي نقد الاستشراق والمستشرقين. فبقي الشدياق أبًا مهمّشًا لا تُنسب له ذريته أو لا تعرف هذه الذرية أنه والدها؟
هنا نجد أنفسنا أمام مجموعة أخرى من الأسئلة تتعلق بالتاريخ وبالتاريخ الأدبي:
هل يمكن فهم تهميش تجربة الشدياق دون الرجوع إلى الخيارات التاريخية للنخبة العربية في علاقتها بنفسها وبموروثها وبواقعها الكولونيالي، وحلمها في التحرر منه بالتطلع عبر البحر إلى الآخر ونموذجه الحضاري لتتخذ منه نبراسا تهتدي به؟ وهل يمكن أن نقتصر في قراءة هذه الخيارات على الإنتاج الأدبي أم يتعين أن نضع في الاعتبار السياق الأشمل للخيارات السياسية والثقافية لهذه النخبة وما يربط بين هذه الخيارات من وشائج صلة: شكل الدولة وشكل الكتابة، تخطيط المدينة ومعمار البيوت وأثاثها، الملبس ونظام التعليم السائد واللغة…. إلخ.
هل كانت "الحداثة" التي استقرت عليها النخبة كفيلة بتحديث فعلي، هل كانت هذه الحداثة القائمة على القطيعة الثقافية ممكنة؟ هل كانت القطيعة شرطًا من شروط هذه الحداثة؟ أم كانت القطيعة عنصرًا أساسًا من عناصر إعادة انتاج الهيمنة الكولونيالية بما يعوِّق الحداثة الفعلية ويستبدل بها حداثة مستحيلة لا تتوفر لها جذور ولا فروع، حداثة منبتة "لا ظهرا أبقت ولا أرضا قطعت"؟
هذه قضايا شائكة وخلافية وكبيرة تتعدد شجونها وقد تحملنا إلى طرح أسئلة سياسية مباشرة حول الدولة القومية ومدى ما حققته وما لم تحققه من التحرر (ليس في عالمنا العربي وحده بل في العديد من المستعمرات السابقة). وهنا سنحجم قصداً عن تناول السياسي بما هو سياسي ونحصر الجهد في الجانب الثقافي واضعين بطبيعة الحال في الاعتبار العناصر السياسية المُشَكِّلة له والمترتِّبة عليه.
في هذا الكتاب محاولة لقراءة نقدية للساق على الساق تسعى إلى نقل قيمة الكتاب مبنىً ومعنى، عبر تناولٍ يضع النص في سياقه فيتحرك حركة مكّوكية بين داخل النص (قوله الكامن في بنيته ونسيجه ومختلف عناصره التقنية)، وخارج النص أي العناصر المادية التاريخية المكونة لهذا السياق، في محاولة لكشف أشكال التفاعل بينهما. وهو تناول لا يرى في النص مرآة عاكسة لزمانه (منتصف القرن التاسع عشر)، بقدر ما يرى فيه مُنتجًا لغويًا ثقافيًا يشتبك مع زمانه ويحاوره ويصب فيه وهو يحمل بطبيعة الحال خاتمه؛ باختصار نقرأ النص في زمانه بقدر ما نقرأ زمانه فيه.
وفي الكتاب محاولة لتتبع موقف المؤسسة النقدية من الساق عل الساق، واجتهاد في تفسير هذا الموقف، وصولاً إلى طرح مجموعة من الأسئلة تصب في سؤال واحد كبير حول مشروع النهضة الذي نعرف الآن من موقعنا في مطلع القرن الواحد والعشرين مدى تعثّره.
وختامًا واقعة طريفة على طريقة شر البليّة:
قبل بضعة أعوام وجدت في مكتبة كلية الآداب جامعة عين شمس طبعة نادرة من الساق على الساق طبعت في القاهرة في مطلع القرن العشرين. أظنها إن لم تخنّي الذاكرة، طبعة المطبعة التجارية. قلت أعود لها لاحقًا. وعندما أردت العودة لها لم أجدها. لم تكن مستعارة. ولما كان من عادة المكتبة أن تتخلص من بعض الكتب القديمة التي لا قيمة كبيرة لها "بدشتها" أو بعرضها للبيع بجنيه أو اثنين، قدّرت أن مسئولاً ما (موظفًا في المكتبة أو مساعدًا من مساعدي هيئة التدريس) قرر أن يوفر الحيّز لكتاب ذي قيمة بدلا من هذا الكتاب الضخم ذي الغلاف المهترئ لكاتب لم يسمع عنه أحد، فأوصى بالتخلص منه!
على أي حال، نطوي هموم المكتبات في مصر والباحثين فيها، فهو حديث آخر ذو شجون يحملنا بعيداً عن موضوعنا. فإلى الكتاب:
[i]يناقش الباحث دافيد أنطوني فيني في مقدمة رسالته للدكتوراة هذه الحداثة الكولونيالية ويستكشف العلاقة بينها وبين الخطاب الاستشراقي. انظر/ي الرسالة 1-64.
[ii] هناك خلاف حول تاريخ ميلاد الشدياق ومكان ولادته، وليس هذا الخلاف سوى نموذج واحد من الأسئلة التي تحيط بحياة الشدياق والكثير من تفاصيلها التي ما زال يكتنفها الغموض. يرى البعض أن الشدياق ولد عام 1805 في عشقوت، (وهذا ما قرره بولص مسعد وتبعه في ذلك محمد يوسف نجم والشيخ نسيب وهيب الخازن الذي قدم لطبعة بيروت من الساق على الساق وعلّق عليها). ويرى البعض الآخر (ومنهم جورجي زيدان والأب لويس شيخو) أنه ولد عام 1804. أما عماد الصلح فيعتقد أن الشدياق ولد عام 1801 في حارة الحدث بالقرب من بيروت. ويتبنى هذا الرأي محمد الهادي المطوي. ويرجح جيفري روبر أن الشدياق ولد عام 1805 أو1806، وأميل إلى الأخذ برأي هذا الأخير إذ إذ يقر الشدياق في مذكرة تقدم بها في السادس من أغسطس عام 1851 إلى مكتب وزير الداخلية البريطاني للحصول على الجنسية البريطانية، أنه في الخامسة والأربعين من عمره (المذكرة محفوظة في الأرشيف البريطاني، (Public Record Office, H01/41/127819، مما يرجح أنه من مواليد الشهور الأخيرة من عام 1805 أو مطلع عام 1806.
[iii] (نشر الكتابان معاً في تونس في 1283 هجرية (1866/1867). وكانت جريدة الرائد التونسية نشرت الكتاب الأول والجزء الأكبر من الكتاب الثاني مسلسلين بين أكتوبر 1863 ومارس 1866. وفي عام 1881 أعيد طبع الكتابين معا في مطبعة الجوائب في الآسيتانة.
[iv] في مقدمتهما لمختارات من كتابات الشدياق يكتب فواز طرابلسي وعزيز العظمة: "كتابات الشدياق مجهلة أكثر منها مجهولة، وقعت ضحية التعتيم والرقابة والمنع، وحتى التحريم. ولا سر إلى أن هذا عائد أساسا إلى نقده الدين والأخلاق ومعالجته الجريئة لقضايا المرأة والجنس وجذرية أفكاره السياسية والاجتماعية، والآن لا يكاد القارئ يجد بين يديه أيا من مؤلفات الشدياق وقد ترك منها حوالي خمسين (…). بعضها فقد وبعضها لا يزال مخطوطا. أما أكثر أعماله المطبوعة فقد نفدت طبعاتها القديمة ولم يعد طبعها. و"الساق على الساق" التي أعيد طبعها في العهد الذهبي لبيروت منذ أكثر من ربع قرن، لم تدخل العدد الأكبر من الدول العربية. حتى أنها صدرت منها طبعات "محررة" من كل المواد الملتهبة"، وهي كثيرة، ليمكن توزيعها وتداولها. على أن الشدياق لم يكن ليلقى معاملة افضل في وطنه، فثمة من لم يغفر له مهاجمه الكنيسة ورجال الدين وتغيير دينه…." (10).