موضوع: قصة صديقى قصة قصيرة السبت نوفمبر 03, 2012 10:41 pm
جلست وبيدي فنجان القهوة أتصفح جريدة الصباح على طاولتي التي سئمتْ من المشهد اليومي لصفحات الجرائد وضجرتْ من برودة فنجان القهوة، وتكرم هاتفي برنة سماوية من صديقي القريب ليكسر حاجز الصمت الساكن في بيتي، تناولتُ هاتفي وبادرتُ صديقي بتحيتي المعهودة المبهجة : ـ أهلا وسهلا صديقي باسم، كيف حالك ؟ ـ بخير والحمد لله كيف حالك أنت صابر ؟ وتبادلت مع صديقي باسم عباراتنا المعهودة وكلماتنا الصادقة ودعواتنا المخلصة وحبنا المبني على طوبى الصداقة منذ الصغر، تناولنا الأحاديث المتشعبة وبعدها أخبرني عن سبب اتصاله . صديقي باسم.... عشت معه في أحضان الأخوة الصادقة منذ الطفولة، تربينا معا على الصدق والتعاون، تناصحنا على الخير وتعاهدنا على الوفاء، كنا إنسانا واحدا بقلب واحد ونبض واحد وروح واحدة، فرشنا أيامنا بألوان الحب الأخوي والفرح الروحي والحنان الرونقي، بنينا أحلامنا بحجارة الصدق والإخلاص حتى غدت بناءً عاليا صعدنا سلمه سويا ويدي بيده وقلبي يخفق بصدق حبه ولساني ينطق بهمسات شكره، فبفضله ارتقينا سويا نحو القمة، تعاهدنا على الارتقاء بأخلاقنا ومبادئنا وقيمنا معا يدا بيد والعهد كان ميثاقنا كل لحظة، إن أخطأت نصحني، وإن ضعت في متاهات الحياة أرشدني، وإن استسلمت لنوبات الكسل شجعني ورفع من همتي، إن سالت دمعتي مسحها بفيض حنانه، وإن تسلل الحزن إلى قلبي طرده بجمال كلماته وعباراته، إن تعثرت بأشواك الطريق زرع لي بصدق جهده ورود الأمل وأشجار الحياة بل وأزال ذاك الشوك بأنامله الرقيقة ليترك قطرات دمه الطاهرة على الطريق الطويل فتكون دليلا على صدقه ووفائه، ولم نكن صديقان وإنما أخوان، درسنا سويا وأكلنا معا ولعبنا الكرة داخل ملعبنا الصغير في حارتنا الجميلة، والتحقنا الجامعة معا لنستمر بطريق النجاح الذي بدأناه منذ الصغر، جمعتنا كلية الهندسة المعمارية لنبدع رسم مدينتنا بصدقنا وإخلاصنا وإتقاننا للعمل، وبقينا على العهد مع مرور الأيام، ولم نستسلم قط لتيارات هوجاء كانت تهاجمنا بين الحين والآخر حبا في التفريق بيننا وغيرة منا على حلاوة الحياة التي نعيشها، تحدينا الصعاب بسيف الثقة الكبيرة المتبادلة بيننا، وقاومنا كل حرب تشن أوزارها علينا لتقطع حبال الود بيننا، فالصدق كان صديقنا في كل كلمة وموقف وعمل، وعليه أخذنا ميثاقنا وفي أحضانه عشنا أسمى معاني الأخوة الحقيقية، تحت أشعة الشمس لطالما جلسنا فقد كانت تغرس فينا بذور الصدق والوضوح والشفافية، وتعلمنا منها أرقى معاني الصراحة والحرية، ثابرنا على الجد والاجتهاد وتعاونا على ذلك لنبلغ مراتب العلا ونرتقي معا سلم المجد، عشقنا الطبيعة فقد علمتنا حنان القلب ورقة التعامل وقطفنا من كل نوع منها صفة ملائكية جعلتنا نعلو ونعلو ونعلو، فمن الشجر تعلمنا الصمود والشموخ والثبات مهما كانت عاصفة الحياة قوية، ومن الورد تزيّنا بأزهى ألوان الطيبة والروعة والحنان، من البحر شربنا قطرات القوة والعطف، ومن السماء جمعنا في صندوق أخوتنا أشعة الرحمة ونجوم الكرم، من الأرض الخضراء حصدنا أعشاب العطاء والخير، ومن ألحان الطيور أنشدنا أنغام السكينة والصدق والمودة، من القمر المنير تعلمنا إرشاد الناس والتناصح على الخير، ومن خالق هذه الطبيعة البديعة اهتدينا إلى الطريق الصحيح فكان نعم طريق سرنا ونعم النجاح نجحنا، وأكرمنا الله بالحب الصادق والفرح الخالد والأمل الباقي وكانت أجمل أيام عشناها . لقد كان صديقي باسم أغلى هدية من الله عز وجل لي، ومن حبه تعلمت حب الحياة، فأصبحت حياتي لوحة فنية مرسومة بريشة الجمال والحب والدلال، منقوش على طرفها عبارة " أنت أخي وصديقي وشطر روحي ......... باسم الحياة " . وهاهو اليوم يتصل بي ليخبرني عن حلمه الجميل الذي يسره الله تعالى له لإتمام رحلة الحياة والإبحار في بحر الصعاب للوصول إلى شاطئ الآمال الخضراء، فقد حصل على منحة دراسية لاستكمال الدراسة في بلاد الخارج، وهاهو يستعد للتحليق في سماء المجد غدا بإذن الله تعالى . كم أسعدني هذا الخبر فنجاحه نجاحي، وفرحه فرحي، فنحن الاثنان قلب واحد ننبض سويا ونحيا سويا ونتنفس الهواء سويا، لطالما تحدثنا في هذا الأمر، وكم حلمنا متابعة طريق العلم في البلاد البعيدة لنصل قمة العلا سويا، لكن الظروف لم تتح لنا ذلك، والقدر يخفي في أسراره الخير للمؤمنين جميعا، ولم تهيئ لي الظروف لأحصل على منحة دراسية مثل صديقي وإنما يسر الله تعالى لي عقد عمل ممتاز استطعت فيه تحقيق إنجازات باهرة أدهشت مديري لروعتها فارتقيت إلى منصب نائب المدير، وأصبحت مسؤولا عن أهم المشاريع وأضخمها في وطني بحمد الله تعالى . ولكن تفرقنا في شعاب الطرق لا يعني تفرق قلوبنا، فعهد الأخوة كان بيتنا الذي سكناه منذ الطفولة وما زال يغمرنا بدفئه ويحمينا من حر الصيف وبرد الشتاء، وشاءت الأقدار أن نقترق لأول مرة حيث يشق باسم طريقه إلى العلا في بلاد الغربة لوحده وسأكمل طريقي إلى العلا في وطني الحبيب وسنلتقي في نهاية طريق الحياة ليضمنا عناق حميم طويل في أحضان الأخوة الصادقة مع صحائف أعمال وإنجازات منيرة قمنا بها بين أزقة الحياة الضيقة وفي شعاب الطرق الوعرة . لم أغمض عينيّ طوال الليل وأنا أفكر بهدية مناسبة أقدمها لصديقي باسم غدا في المطار عندما سأودعه، أبحرت في أفكاري وغصت في أسراري ولم أجد هدية مميزة تكون معه في غربته، وتخفف عنه وحدته، وتواسيه عند حزنه، وتدخل السرور إلى قلبه، أبحث عن هدية مميزة تكون له نعم الصديق في بعدي عنه، هدية تكون معه في كل خطوة يصعدها وفي كل لحظة يعيشها، هدية سهلة الحمل كي يحملها أينما ذهب فيتذكرني دائما ويشعر بوجودي الدائم معه وإن كنت بعيدا عنه، هدية يحس من خلالها بنبضاتي واشتياقي وخفقاني وأحر دعواتي له بالتوفيق والنجاح، هدية تخبره بمدى حبي له وخوفي عليه وتفكيري المتواصل فيه، وأيّ هدية سأختار لك يا صديق العمر............ يا باسم الحياة . وترسل الشمس أشعتها لنبدأ يوما جديدا كأن خيوطها الذهبية مفاتيح يضعها الله سبحانه بين أيدي البشر يفتحوا بها أبوابا تقودهم إلى ما فيه الخير لهم، ويهدني الله تعالى لأجد أغلى هدية أقدمها لصديقي اليوم في المطار . دخلت حديقة بيتي وتوجهت مباشرة إلى شجرة الزيتون الخضراء، تلك الشجرة الباسقة التي تحدت الفصول الأربعة وحافظت على رونق خضارها طوال أيام السنة، لطالما جلست مع باسم هنا تحت ظلها، تبادلنا الأحاديث ونقشنا الذكريات وذقنا حبات الليمون الصفراء الحامضة بكل فرح ولهفة وضحك، تحت أفنان هذه الشجرة كانت يدي بيده تعاهدنا على الصدق والإخلاص، وتواعدنا على الحب والوفاء، وكتبنا الميثاق بنبض قلب مفعم بحياة مستقبلية باهرة، ونقشنا تاريخ العهد على فنن هذه الشجرة، وحالت الأيام لتفرق بيننا لكن العهد باق بإذن الله تعالى، فهو حي ينبض في قلبي وقلبه وقلب هذه الشجرة وعلى تراب هذه الأرض المعطاء الطاهرة، وكما شهدت شجرة الزيتون عهدنا ستشهد وفاءنا فيه مدى الحياة . اقتربت منها..... قبّلت ساقها الشامخة وأخذت أتحسس أوراقها الخضراء فهي تذكرني بأيامي الجميلة مع صديقي ثم اقتلعت منها غصنا غضا صغيرا يحمل وريقات خضراء صغيرة لكنها بالوفاء والصدق كبيرة، سيكون الغصن هديتي لأخي الحبيب ................ باسم الحياة . أمسكت ورقة وقلم وبدأت أخط أحرفي المتبقية لاستكمال عهدنا الكبير، كتبت على ورقتي : " أخي الحبيب وصديقي القريب وشطر روحي منذ زمن بعيد .......... باسم الحياة .................. لن أطيل رسالتي هذه فرسالتنا واحدة وقلبنا واحد ونبضنا واحد وكل الكلمات حفظناها وطبّقناها وتعاهدنا عليها منذ اللقاء الأول، لن أطيل أحرفي فقد جف الحبر من حرارة مشاعري وأحاسيسي، وتطايرت كلماتي في سماء الدموع من سرعة رياح دقات قلبي، لن أطيل عليك بعباراتي فكلها تحمل المعنى نفسه والدعوة نفسها، سأكتفي بحروف قليلة لكنها بفعلها عظيمة وكبيرة، ستعيش يا صديقي في دار الغربة، وستخوض معركة الحياة بعيدا عن الأحبة، وستبدأ مشوارك الجديد إمّا وحيدا أو حيا تنبض بحياة جميلة لن تشعر معها بالغربة وفراق الأهل والأحبة أبدا، أخي وصديقي وشطر روحي باسم الحياة ....... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )، هذه كلمات رسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم – إليك يا صديقي دعها دائما نصب عينيك وفي خضم تفكيرك وفي جلّ سمعك، فهي أثمن هدية أقدمها لك قبل سفرك، فالسفر رحلة شاقة وخطيرة ستحتاج فيها إلى عناية ربانية دائمة لتحميك من فتنها ومصاعبها، احفظ الله يحفظك، كن مع الله يكن معك، وامض في طريقك نحو العلا والله الموفق المعين، واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا، ولا تنس ري غصن الزيتون الغض كل يوم لينمو ويكبر ويعطي الشجرة، وتعود أنت بعد رحلتك الطويلة لتزرع هذه الشجرة بنفسك على تراب الوطن الغالي، فالوطن أولى بشبابه وإبداعاتهم، سننتظرك جميعا أنا وشجرة الزيتون وتراب هذا الوطن، لتعود الحياة الجميلة من جديد على أرض وطننا الحبيب، ويعود شباب الوطن فينهضوا به من جديد بأيديهم الحالمة وهممهم العالية وأحلامهم الواعدة العظيمة . " طويت الرسالة وألصقت عليها غصن الزيتون وعدت أدراجي متوجها نحو طريق المطار لأودع أخي وصديقي الغالي باسم الحياة .................... وفي المطار حان وداعه و جاءت لحظة الفراق العصيبة لتنأى بقلبين عن حضن الأخوة، لكن الصدق أقوى من الفراق، والعهد بيننا يتحدى كل آلام البعد والوداع، عانقته بشدة.... هززته من ذراعيه بكل قوتي وأنا أخاطبه : - حتى إن ابتعدنا سنبقى معا إلى الأبد وعليه قد كتبنا عهدنا . وناولته هديتي المتواضعة . وسافر صديقي باسم الحياة إلى حياته الجديدة في بلاد الغربة، لوّح لي بذراعه من بعيد وهو يصعد سلم المطار، فلوّحت له بذراعي وقلبي وروحي وكياني كله وأنا أتصنع الابتسامة على وجهي، واختفى أخي وصديقي ولم أعد استطع رؤيته من زحمة الناس في المطار ........فمددت يدي...... أريد أن أمسك به.... أمسك بظله.... أمسك بطيفه.... أمسك بذرات الهواء التي تلامسه.... وعادت يدي فارغة لم تجن غير الحسرة والألم .....وسالت دمعتان من عينيّ لأنهما أبتا إلا أن تفصحا عن لوعة قلب منفطر ..... وهبت نسمة صيف عليلة لتمسح الدمعتين بوعد اللقاء المنتظر .