دليل ستالايت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أشرف على
مؤسس الدعم التطويرى

مؤسس الدعم التطويرى
أشرف على


الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن 417252771
ذكر
عدد المساهمات : 2842
تاريخ التسجيل : 23/10/2012

الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Empty
مُساهمةموضوع: الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن   الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن Emptyالسبت نوفمبر 03, 2012 9:24 pm

تعد الأساطير فتحاً حديثاً نسبياً بالنسبة للباحث المقارن. وذلك على عكس الموضوعات والصور. فمنذ نصف قرن يجري الحديث عن " دون جوان " بوصفها أسطورة خرافية أكثر من كونها أسطورة :‏

لم يخرج الأدب المقارن عن الطريق الذي خطه الفولكلوريون، الذي يهتمون بدراسة الحكايات، والأساطير الخرافية، والأساطير.‏

ويفرد كتاب " تاريخ الأساطير الخرافية (1) مكانة هامة لأسطورتي فاوست ودون جوان اللتين أصبحتا دعامتين من دعامات " علم الأسطورة المقارن " ربما تفسر هذه الإضافة الجديدة ما يسميه بيير برونيل في مقدمة عمله " قاموس الأساطير " (2) " غموض المصطلح الذي لايمكن توضيحه، أبداً، بصورة كاملة "‏

ومماله مغزى أن كتاب بيشوا - روسو وضع تحت عنوان " علم الموضوعات " بعض الموضوعات الخيالية مثل العجائب الفولكلورية، والخيال الكتبي والأساطير) التي تتعارض مع مجموعة ثانية من الموضوعات " الواقعية "، المؤلفة من " نماذج نفسية واجتماعية "، و " شخصيات أدبية "، و " أشياء ومواقف ".‏

على كل حال " الباحث المقارن هنا في بيته " (3) . ويجب ألا نسخر من هذا البيت ذي الجدران المتحركة. مع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه أمكن الحديث عن " موضوعات أسطورية ". وبقي ريمون تروسون مبتكر هذا التركيب متردداً بين الموضوعات والأساطير بين عامي 1965-1981، إلى أن استطاع أخيراً التمييز بينهما.‏

يصف إيف شيفريل، من جهته، أوديب، ودون جوان، وبروميثيوس، وفيرتر بأنهم " رموز أسطورية " من المؤكد أن الأسطورة تتداخل مع الموضوع، والفاعل، والدافع، والصورة، والرمز، والنموذج. ومن المؤكد أيضاً، مثلما يذكر بيير برونيل، أنه لابد للأدب المقارن من أن يعيد النظر في مصطلحاته، من وقت لآخر، بغية تنقيتها. ولكن غالباً ما تخفي قضايا المصطلح مشاكل في المنهج. تعد الموضوعات، والأساطير، والصور، والشخصيات، والدوافع جزءاً من كلٍ هو النص.‏

إن كل أسطورة " موضوع " لنص معين، بالمعنى الواسع للكلمة، ولكن ليس كل موضوع أسطورة، على الرغم من أن الموضوعات والأساطير تدخل في بنية النص. من هنا يأتي سؤال مزدوج : ما هي الأسطورة الأدبية؟ وماذا تعني الأسطورة بالنسبة للأدب المقارن؟‏

- من الأسطورة إلى الأسطورة الأدبية :‏

يهتم بالأسطورة كل من علماء الفولكلور، وعلماء الإناسة، ومؤرخي الديانات، وعلماء الاجتماع. وهم يعطونها، عمداً، دلالات تنتقص من قيمتها الأساطير الدعائية). تمكن رولان بارت، في كتابه " علم الأساطير " (4) من القيام بعدة دراسات حول الخيال في فرنسا بين عامي 50-60. هناك أيضاً الأسطورة " البدائية " عند علماء السلالات وعلماء الإناسة، والتي لايمكن إغفالها في مجال الأدب، لأن الحديث سيتناول " الموقف الجوهري "، أو " الموقف الإنساني النموذجي عند جماعة معينة " (5) قد يكون مغرياً الحديث عن " مواقف جوهرية " في قضية التحالف مع الشيطان في " فاوست "، أو العقاب في " دون جوان "، أو التضحية في " إيفجيني "، أو السخرية من الموت في " دون جوان أو أنتيغون ". وقد يدرس الأديب أوالباحث المقارن، إذن، مخططات أساسية، وذلك لأنها حكايات خرافية أولاً تكون معدة مسبقاً عند لحظة ظهور النسخ الأدبية الأولى. وتوجد هذه المخططات في نص تاريخي، وتكتب بكلمات مختلفة بين ثقافة وأخرى، ومن عصر لآخر : وهنا نرى التشابه مع الموضوع والاختلاف الذي يبدو أنه يحمل على الميزة الثابتة أو " البيانية " للمادة المستخدمة. لأن الأسطورة والموضوع والصورة المقارنة مواد يتم من خلالها إعداد النصوص التي يدرسها المقارنون : لا تنفصل هذه الأشياء عن " مادة النصوص " استطاع علماء القرون الوسطى الحديث عن " مادة بريطانيا " في الروايات الأرثورية). لكننا نعلم أن لا وجود لمادة دون شكل ولا شكل دون مادة) وربما يجد هذا التأثير المتبادل حلاً أصيلاً وفعالاً مع الأسطورة، على الرغم من كون هذا التأثير واضحاً وصعباً على الدراسة في الوقت نفسه‏

- من الأسطورة السلالية - الدينية إلى الأسطورة الأدبية :‏

يمكن اعتبار الانتقال من الأساطير البدائية، مادة الأديان والمعتقدات، إلى الأدب على أنه تطور يوضح الانتقال من القدسي إلى الدنيوي.‏

- من القدسي إلى الدنيوي.‏

لقد تعرفنا على محوري فكر ميرسيا إلياد (6) . ويمكن أن نذكر أيضاً دونيس دو روجمونت (7) ، وك. ليفي - شتراوس الذي يرى في الأسطورة المنتقلة إلى الأدب، على أنها " آخر همسة في البنية المنتهية ". في المقابل، نكتشف مع بيير برونيل الدور الأساسي الذي يؤديه كل من الأدب والفنون والسينما في أيامنا الحاضرة) :‏

وهو دور " المحافظ على الأساطير ". استطاعت الأسطورة الاستمرار في الحياة لأنها " تغلفت بالأدب ". لكن الأسطورة " الأدبية" تضفي على الأسطورة البدائية دلالات جديدة. يقول بيير برونيل إنه لا وجود للأسطورة الأدبية قط دون " تقمص يحييها في عصر تكون قادره فيه على " التعبير الأمثل عن مشاكله الخاصة " (8)‏

الدعوة توجه هنا للقيام بدراسة مقارنة تتناول كل ما طرأ على الاساطير القديمة من استخدامات جديدة وتغيرات وظهور وغياب من عصر لآخر في أعمال بعض الكتاب، مثلما يجب دراسة أسباب الغياب الفجائي لهذه الأساطير، والاقتباس الاستثنائي الذي تتعرض له. بالنسبة للأدب ولخياله، تعد الاسطورة تاريخاً ديناميكياً ونموذجياً جماعياً مثلما هو فردي أيضاً.‏

- بعض الاختلافات الأساسية :‏

عرض فيليب سيللييه بعض الاختلافات الأساسية بين الأسطورة السلالية - الدينية والأسطورة الأدبية أدب، 1984).‏

1- تعد الأسطورة " السلالية - الدينية " قصة تأسيسية، مجهولة، وجماعية، وتؤخذ على أنها حقيقة، لكن عند تحليلها تظهر تناقضات بنيوية صارخة. وعندما تنتقل هذه الأسطورة إلى الأدب، فإنها تحتفظ " بالطابع الرمزي " والتنظيم الصارم، والإضاءة الميتافيزيقية، لكنها تفقد طابعها التأسيسي والحقيقي ويظهر اسم الكاتب عليها.‏

2- هناك أساطير أخرى، قصص نموذجية، وليدة الأدب : مثل تريستان وإيزو، وفاوست، ودون جوان، وهناك في الأدب أيضاً " عناصر أسطورية"، مثل شراب ميديه، والتحالف مع الشيطان في فاوست، أو التمثال الحجري في دون جوان.‏

3- يضاف إلى ذلك تجليات أدبية أخرى للأسطورة، يمكن اعتبارها، بشيء من التحفظ، أساطير أدبية : كأساطير المدن مثل البندقية التي لا يبدو أنها تنتج موقفاً متطوراً في السرد. مع ذلك، نلاحظ أنه عندما اقترنت البندقية بالموت من خلال تطورات تاريخية وثقافية في الأدب معقدة ومتعاقبة )، أصبحنا أمام مخطط أولي لقصة تاريخية، لا بل أمام سيناريو لتاريخ معين.‏

ويذكر فيليب سيللييه أيضاً الأساطير " السياسية - البطولية " مثل الاسكندر، وقيصر، ولويس الرابع عشر، ونابليون) حيث إمكانيات السرد فيها غير محدودة، وحيث كتابة الأسطورة تذكّر بتطور الملحمة، وأخيراً الأساطير المصاحبة للأناجيل الغوليم (9) ، واليهودي الضال، ونهر ليتيه (10) )، التي تفترض هنا أيضاً صياغتها في إطار قصة أصيلة. يعيد بيير برونيل أخذ هذه الأصناف ويضيف عليها الصنف الذي قدمه أندريه دابزي في أعماله : الاسطورة إيضاح لموقف إنساني نموذجي، و " الصور - القوى " عند علماء الاجتماع التقدم، العِرْق، الآلة )، التي أثبتت، في الواقع، أنها " قادرة على ممارسة سحر جماعي شبيه بسحر الأساطير البدائية ".‏

ولذلك، إذا أصبحت مثل هذه الشخصية التاريخية أسطورية، وإذا بدا نابليون " كآخيل جديد، أوبروميثيوس آخر، أوغول كورسيكا " فإن المهم هوالمغزى في الضمير العام. فالأساطير هي " كل ما حوله الأدب إلى أساطير " بيير برونيل). وربما يمكننا التحديد أكثر فنقول : إنها كل ما استطاعت ثقافة معينة أو أرادت تحويله إلى أسطورة.‏

الأَسْطَرَة جعل الشيء أسطورياً).‏

تذكّر هذه الفكرة بفكرة " الموضعة " تحويل الشيء إلى موضوع )، وتعني تطور دخول مادة معينة في أدب ثم في نص معين. وتسمح بالإمساك بالأسطورة الأدبية في صيرورتها الدائمة التي تصبح موضوع دراسة. الأسطورة بالنسبة للأدب، " نص أولي " أو نص تمهيدي، مستوحى، في حالة الأساطير القديمة، من التراث الشفوي وهي، كما يقول الاختصاصيون، "نص - سلالي " )، مثلما أنها تاريخ يدخل في الأدب. فمثلاً كان أورفي ونابليون في البداية، " نصوصاً - أولية " قبل أن يصبحا أوبرا عند مونتيفيردي، ورواية عند تولستوي. وأدت الرواية والأوبرا إلى زيادة الأسطرة أو التقليد الأسطوري. هل تصبح الأسطورة موضوعاً ناجحاً مثل بعض الكلمات والنماذج والصور التي تحولت إلى سيناريو، مثلما رأينا في الفصل الرابع)؟ وإذا كان الحال كذلك، هل نعزو هذا التحول الأسطرة) إلى طبيعة الأسطورة يمكن لأجيال متعددة أن تعيد أخذ حكاية معينة لأنها تحمل معاني مختلفة )، أو إلى الوظيفة التي تشغلها تستطيع الحكاية أن تمتلك علاقات مع المجتمع من خلال قيمتها النموذجية والتفسيرية، مثلما فعلت الأساطير القديمة التي أسست ديناً، وهذه الكلمة مشتقة من الرابطة) وماذا لو كان من طبيعة الأسطورة نفسها أدبية أم لا) أن يكون لها هذه الوظيفة الخاصة؟‏

- من ميثيولوجيا إلى أخرى.‏

سننطلق من مقالة صغيرة كتبها جاك بومبير الباحث المهتم بشؤون الإغريق، حيث درس الأسطورة مثلما ظهرت في كتاب " الشعرية " لأرسطو، على ضوء المنهج البنيوي الذي حدده جان بياجيه (11)‏

- الأسطورة كبنية.‏

حافظت الأسطورة على ثلاث سمات من " البنية " استخرجها جان بياجيه : الشمول، والتحول، والتنظيم الذاتي. بالنسبة لأرسطو، الأسطورة تركيب، وتنظيم يقوم على الوحدة العضوية. مع ذلك، شهدت عدة تحولات، ويمكن لمضمونها أن يتغير، ويمكن القول أيضاً إن هذا المضمون هو حركة بصورة أساسية. لكن الأسطورة تضبط ذاتها بصورة تجعلها أقرب إلى المحافظة على بنيتها الأساسية لذا لابد للعناصر اللازمة لبنائها من الاستمرار : وإلا فإن البنية تزول وتترك مكانها لبنية أخرى. الأسطورة نظام، وكتلة متجانسة وديناميكية تتطور وفق ضرورات، ومقاييس داخلية خاصة. هنا نجد الأدب، أو بالأحرى الشاعر في مواجهة مأزق أشار إليه أرسطو الشعرية، 14، 1453 ب) : إذ لا يمكنه تغيير الأساطير الموروثة، ومع ذلك عليه أن يثبت براعته في الإبداع. وهذا مبدأ في منتهى الديناميكية أو الجدلية) للمحاكاة التي لا تندمج مع التقليد، ونكتشف أن الأسطورة تقدم على طريقتها، نوعاً من الخيال المراقب. ويحضر في ذهننا الآن النص " المبرمج " إلى حد ما الذي له علاقة بالصورة. فالأسطورة بالنسبة للأدب قصة مبرمجة، أونص أولي. يتحدث أندريه سيغانوس عن " الحد الأدني من التركيب التعبيري للأسطورة " الذي لولاه لايمكن أن يوجد تنظيم بنيوي من أجل تشكيل الأسطورة أوالاعتراف بها كأسطورة ضمن قصة أعاد تناولها الأدب المينوثور (12) و أسطورته، P.U.F 1993) يوجد نوع من المنطق في الأسطورة يجب التقيد به في الصياغات الأسطورية) الأخرى، التي لايمكنها أن تصل إلى حد مناقضة النص الأصلي : يلاحظ أن دون جوان قد أنقذ ولم يعاقب، مثلما أنقذت إيفيجيني ولم تترك لمصيرها. ولكن المخطط المعكوس، أو التحريف الساخر، يفترضان وجود المخطط المستخدم كنموذج ومعرفته.‏

- الأسطورة كتاريخ :‏

منذ متى نستطيع الحديث عن أسطورة نابليون؟ عندما تحل قصة ثانية مكان القصة الحقيقية ضمن حكاية مبنية :" الأسطورة الخرافية " للأمبراطور، والسجلات المشهورة للأمبراطورية. وتعتمد القصة الثانية على أساطير موجودة مسبقاً ضرورية لأسطرتها، مثلما أظهر جان تولار (13) : هناك إمكانية للمقارنة بين " قدر" نابليون وشخصية المسيح، والاقتراب من أسطورة بروميثيوس، والتطفل على نموذج الغول. وهكذا تتحول شخصية نابليون إلى رمز أسطوري عندما تصبح حكاية أو قصة، أو موضوعاً يسمى فيما بعد أسطرة : وهذا ما فعله شاتوبريان في مقالة نقدية بعنوان " من نابليون والبوربونيين " 1814).‏

إنها حكاية " سلبية " فيما ترويه، ولكنها " إيجابية " فيما يخص الوظيفة التي شغلتها في خيال العصر. إن الحكاية الأسطورية التي تتسم بقدرتها على أن تكون سلبية أو إيجابية كان لها، مع مراعاة الفوراق النسبية، دور ووظيفة، عند بعض الأجيال، يشبهان ما حصلت عليه الأساطير القديمة في المدن القديمة عند الشعراء. وفي حالة نابليون، كان للأسطرة أعلامها وأسماؤها : بايرون، وبيتهوفن، وغويا، وكارل ماركس، وتولستوي، بالإضافة إلى شاتوبريان، ودوفيني، وهوغو، وأراغون، وآبل غانس. إن الأسطورة، سواء كانت قديمة أم حديثة، هي حكاية حيّة عند من يعيد خلقها أو يسمعها أو يقرؤها.‏

يمكن أن تحافظ الحكاية الأسطورية غير المستخدمة على اسمها " أسطورة " ضمن منظور تعاقبي واسع، غير أنها تفقد ذلك منذ أن تصبح أحد عناصر الثقافة أوالأدب المدروسين. لكنها تستطيع أن تنبعث من جديد عندما يعاد تفعيل المرجعية، وتقدم حكاية جديدة تغذي الخيال. لكل عصر أساطيره المفضلة، وعلم أساطير خاص به. وبهذا المعنى، يمكن أن تستخدم الاساطير، كالموضوعات، من أجل إغناء الاختلافات بين الآداب وإبرازها. يمكننا أن نتحدث عن أساطير عصر معين، مثلما استطعنا الحديث عن موضوعاتية عصر معين. ويقدم سي. م. بورا في كتابه " الخيال الرومانسي " (14) إسهاماً جديداً، أو تقليدياً، في دراسة " الخيال الرومانسي، إذ نجد جنباً إلى جنب أعمالاً و " أضواء عليها " ودراسات موضوعاتية وتصورات أسطورية دون جوان، وبروميثيوس). في كتاب " نهاية قرن، الأسطورة والغشتالية "(15) (16) ، جمع هانزهينتر هاوزر بعضاً من عناصر ميثيولوجيا نهاية القرن أوعصر الانحطاط : مثل عودة المسيح، والمدن الميتة، وتمرد الدانديين (17) ، والنساء قبل - الرافائيليات (18) ، والسنتور (19) يعد مسيح نهاية القرن مثل سابقيه، موضوعاً لسيناريو مقنّن ماذا لو عاد وقام بالأعمال نفسها؟ )، وله قيمة نموذجية عند جيل أوعدة أجيال.‏

يجب إذن أن ندرس كيف يستطيع الموضوع أو الرمز، أوالصورة، أو مجموعة كبيرة من الصور، أوالكلمة أحياناً، أن تتحول إلى قصة، أو تصبح بنية واحدة، أو مجموعة من العناصر الأساسية المتغيرة، وكيف يتم فهم الدور النموذجي الذي استطاعت هذه القصة الحصول عليه من أجل إثارة تكرارات وإعادات جديدة. يمكن لقصة أو رمز معينين أن ينتشرا في ثقافة معينة، في حين أنهما قد لا يجدان حظاً وافراً في ثقافة أخرى. في دراسة قديمة (20) ، تتناول ماريا سوليداد كاراسكو أورغواتي حالة خاصة موجودة في الأدب الإسباني بصورة أساسية تتعلق " بالشغف بالأدب العربي المغاربي " ومن المناسب أكثر أن نقول حالة من الهوس )، وكذلك أسْطرة شخصية ابن سراج الأخير(21) . لاقى هذا الرمز نجاحاً كبيراً في أيطاليا وفرنسا في القرن السابع عشر، واستفاد منه أيضاً شاتوبريان، والأمريكي واشنطن إيرفينغ، لكنه يبقى مرتبطاً بالرحلة إلى غرناطة وبأسطورة الحمراء.‏

من المؤكد أنه ليس هناك ديمومة أو شمولية للأسطورة : فقد اكتسبت الأساطير اليونانية شموليتها من هيمنة أوروبا الثقافية التي استوحيت منها هذه الحكايات. في المقابل، هناك حياة ، واستمرار وبعث للأساطير القديمة، كما تظهر أساطير جديدة، ويتم تحويل قصص قديمة إلى نصوص حديثة، وقد تنمو بعض العناصر أو الرموز الأسطورية في بعض القصص النموذجية عن طريق الأدب وغيره من الوسائل الأخرى.‏

- نحو تعريف للأسطورة الأدبية.‏

يميز بيير برونيل، في أبحاثه عن الأسطورة ضمن المعجم الذي مر ذكره، بين ثلاثة عناصر لتعريف الأسطورة، يسميها هو " الوظائف " - الأسطورة - السرد. تحكي الأسطورة قصة، فهي سرد. وهذا ما يميزها عند أفلاطون، عن الحوار والمناقشة. إن فكرة الأسطورة كسرد وسيناريو تعيدنا إلى التصورات البنيوية لتوما شيفسكي الذي عرّف الأسطورة بأنها " نظام من الدوافع "، وهذا يذكرنا بـ ك، ليفي - شتراوس، أو بالصورة عندما تدخل الأدب) ينتج عن القصة الخاصة التي هي الأسطورة تكرارات، وإعادة استخدام بعض العناصر وهذا ما يسميه ليفي - شتراوس " موضوعات أسطورية ". ويذّكر بيير برونيل، بصورة مناسبة، بتعريف الأسطورة من وجهة نظر ميرسيا إلياد : تروي الأسطورة قصة مقدسة، وتسرد حدثاً جرى في الزمن الأول، الزمن الأسطوري البدائي). وهناك أيضاً تعريف جيلبير ديران : هي نظام ديناميكي من الرموز، والنماذج والتصورات الخيالية التي تحاول أن تتآلف في حكاية، بتأثير مخطط ما). مخطط يصبح حكاية، هذا ما يمكن أن يكون أول عنصر في تعريف بسيط وواضح يبرز فكرة " السيناريو الأسطوري ". وسيناريو " أسطورة " أنتيغون هو التناقض بين البطلة والطاغية، وخطر استعباد أحد الأخوة، وخرق المحرمات، وخطوبة ابن الطاغية، والحكم والموت (22) .‏

يمكن أن تتبدل هذه المعطيات الثابتة بحسب رأي بيير برونيل، وهذا مؤشر على " حرية الأدب وحياته ". مثلما تدل أيضاً على إرغام، كبير إلى حد ما، للخيال عندما نوجهه نحوهذا السيناريو. أحياناً، يكون هذا الإرغام واقعياً كثيراً، ويمكن أن يترتب عليه نتائج خطيرة من ناحية جمالية. ويمكن القول بحق إن النجاح الكبير الذي لاقاه عمل ميلتون " الفردوس المفقود " أدى أيضاً إلى تشويش خيال الذين حاولوا تسجيل الأصل من جديد، ويعود ذلك إلى أن الشاعر الإنكليزي قدم سيناريو دراماتيكياً، وصوراً رائعة، وأسس أيضاً عقيدة حقيقية تصعب منافستها، أي إبداعها، ويبدو هامش المناورة، بالنسبة للخيال، بين أسطورة ميلتون والتوراة، ضيقاً جداً .(23)‏

الأسطورة - التفسير :‏

الأسطورة حكاية تبحث في الأسباب، إنها حكاية خرافية توضيحية، تفسر أصل الغار عبر التاريخ، وأسطورة تحول " دافني " والأسم يعيد إلى الشيء )(24) إنها تحكي لماذا تشكّل الواقع على هذه الصورة، وكيف تطور العالم، وأي نوع من العلاقات تربط الناس به. إذا أردنا التحديد أكثر قلنا إنها تفسير لأنها في الأصل معرفة موجودة في قصة معينة. وهذه المعرفة تظهر لنا كيف أن الأسطورة هي تنيظيم للعالم : وكل أسطورة هي حكاية عن الأصول، تكون أسطورة تأسيسية. على الصعيد الثقافي، الأسطورة سلطة، ومرجعية دائمة إلى حد ما، تستدعي التكرار والطقوس الدينية.‏

الأسطورة - كشف :‏

للأسطورة وظيفة كشفية، ويمكن القول مع ميرسيا إلياد، إن كل علم أسطورة هو قياس درجة الإحساس بالنور لدى الكائن.‏

وإذا كانت الأسطورة تكشف المقدس، فإن الأسطورة الأدبية ستكون أيضاً " جواباً ". لقد استطاع بيير برونيل، بحسب رأي أندريه جول (25) ، التمييز بين السؤال الذي يطرحه الإنسان والجواب الذي يتلقاه، وهو المجال الممكن " لصيغة " تسمى الأسطورة. في الحقيقة، إن لذلك الجواب وظيفة مزدوجة أو قيمة مزدوجة : أخلاقية وتعويضية. فالأسطورة لها دور التاريخ، ومن هنا تأتي القيمة المثالية للتاريخ، ولبعده الأخلاقي بصورة أوسع. وكما أدت الأساطير القديمة إلى تماسك الجماعات التي أقرّتها كأساس ديني، وكلغة رمزية، كذلك الحال بالنسبة لكل أسطورة حديثة جان دارك، نابليون، تشي غيفارا)، إذ إن لها قيمة أخلاقية عند الأمة التي تعرفت على ذاتها من خلال هذه القصص. هناك إذن التحام جماعي حول تاريخ ما، كان فردياً في الأصل، ثم أصبح جماعياً. وبما أن الأسطورة " جواب " فإن لها بالضرورة وظيفة تعويضية، مثلما ذكر بيير باربيريس عن أسطورة نابليون مجلة التاريخ الأدبي في فرنسا، 1970) : نتحدث هنا عن تاريخ ثانٍ. يجب عدم التقليل من أهمية هذا الطابع الثانوي وهذه الوظيفة الأخلاقية، بمعناها المحايد، في إقامة روابط بين الأسطورة والأيديولوجيا، وبين الأسطورة والخيال.‏

في الأدب، تتخذ وظيفة " الجواب " في الأسطورة مظهراً فريداً ذا نتائج عديدة. فالكاتب الذي يعود إلى الأسطورة فإنه يبحث عن " جواب " وتتم الكتابة حول " جواب " وهذا السيناريو موجود هنا مسبقاً. وهنا لابد من تحليل ما تقدمه الأسطورة وما يقدمه الكاتب عن العصر والثقافة المعنيين.‏

لايمكن دراسة الأسطورة الأدبية إلا عند نقطة لقاء تطورين متكاملين : الحفاظ على السيناريو وتحولاته حيث يقرأ العمل، وخيار الكاتب. وإذا استطاع ك. ليفي - ستراوس وصف الأسطورة بأنها مجموع هذه التبدلات، فإننا نستطيع الإدعاء بأن الأسطورة في الأدب العام والأدب المقارن هي أيضاً مجموع التحولات التي يخضع لها السيناريو، وهي ذات طابع فكري وجمالي أو ناتجة عن خيال ما مختلف عن خيال الأسطورة في نصوصها القديمة التي يتناولها الكاتب. ولا بد أيضاً من تفسير لماذا يلجأ كاتب أو جيل ما إلى استعادة سيناريو معين وتفعيله. هنا نفهم أهمية ما يقترحه جان لوي باكس (26) : " إن الأسطورة ليست مادة للتفسير، وإنما هي موضوع لمعارف من حياة سابقة " وهكذا يجب إعادة تقويم هذه المعارف عند استحضارها، لا إعادة تفسيرها، لكي تدلنا على القوانين، والأطر، والنماذج الناظمة لها، مع إمكانية إعادة استخدامها آنياً. لا تستطيع الأسطورة، بالتأكيد، تناسي أصولها الدينية بسهولة، ولايمكنها أخذ بعد أدبي إلا إذا بقيت كلاماً حياً.‏

- مبادئ النقد الأسطوري :‏

قبل بيير برونيل الحديث عن نقد أسطوري في الأدب العام والمقارن لكن بحذر وبشيء من التحفظ(27) . وتقدم القوانين الثلاثة التي صاغها تصورات مفيدة لنا، انظر الفصل الرابع).‏

- الانبثاق :‏

المقصود هنا الإشارات الأسطورية التي ترد في نص معين، دون التوقف عند الإشارات الواضحة فقط. فقصة " كولومبا " لميريميه سرعان ما أصبحت بديلاً عن أسطورة " إلكترا ". ولا يقتصر عمل المقارن على التعريف بالشخصيات فقط، بتفسيرها أيضاً، ويمكن أن يستند في ذلك على التاريخ الأدبي أبحاث في التسلسل التاريخي).‏

يجب ألاّ ننسى أبداً أنه لا بد للأسطورة من " تقديم " قصة معينة يوضح لنا روجيه كايوا (28) في بضعة سطور عنوان " نهر ألفي " علي صورة ترجمة ذاتية فكرية. إلا أن مرجعه في ذلك أسطوري علمي دون أن يكون أسطورياً. على الرغم من الثبات الشعري القوي المجرى الذي يخرج من البحر ليصبح نهراً، أو ينبوعاً). وبالأحرى، لايمكن الادعاء بأن هذه المرجعية مجاز مسيطر أو " أسطورة شخصية " بالمعنى الذي استخدمه شارل مورون في النقد النفسي).‏

هناك، بالتأكيد صبغة أسطورية في النص، أو بعض الإشارات، ولكن الحكاية الخرافية القديمة لا تحرض على أي نسج خرافي جديد، أو إطناب في الكلام. فهناك انبثاق دون تألق.‏

- المرونة :‏

يذكر هذا المفهوم بالسهولة في الاقتباس ومقاومة العنصر الأسطوري في النص , وهي مرحلة أساسية كمرحلة معرفة مقاومة المخطط الذي هو كل أسطورة وتقويمه. لذا لابد من مواجهة النص بمخطط الأسطورة الأساسي، الجاهز مسبقاً. إن هذا المخطط هوعمل الباحث واكتشافه خاصة حيث يقرأ في القصص بعض العناصر المتواترة، والمقاطع الأساسية التي تشكل ما يسميه أندريه سيفانو " التركيب الأدنى ".‏

ففي أسطورة " المينوثور " ظهرت ثلاثة مقاطع متتالية، خرق النظام الطبيعي عن طريق ولادة الوحش، والوضع القائم : المينوثور يتصرف، فهو فاعل، واتهام البطولة : معاناة المينوثور. تظهر هذه المقابلة بين المخطط والنصوص إمكانيات "التبديل " كما يقول أندريه سيفانو. ويوجد " حضور آخر " ضمن النص المدروس، وفق التعبير الناجح لبول برونيل .‏

- الإشعاع :‏

لابد لهذا الحضور أن يكون له دلالة فمن خلاله ينتظم تحليل النص. ولا بد للعنصر الأسطوري أن يمتلك قدرته على الإشعاع، وإن كان دقيقاً وكامناً. إذ يمكن الانطلاق من العنوان " الإشارة التي يوضع تحتها الكتاب أوالنص " أو من فكرة الكتاب التي يمكنها أن " تفسر " مثلاً، الصرخة التي يفتتح بها القسم الثاني من " أوريليلا " لدونرفال ؛ " أوريديس! أوريديس !" التي تبدو، كما يقترح بول برونيل، " مرجعاً مزدوجاً للأسطورة والأوبرا معاً".‏

ويتأكد ذلك من خلال قراءة أول جملة وضاعت مرة أخرى )، ونهاية النص. يجب مقارنة الإشعاع بالشكل الأدبي : مثلاً، يدخل مخطط الأسطورة في منافسة مع النوع الأدبي مسرحة الأسطورة، ومنطق أسطوري، ومنطق روائي) في المقابل، يمكن اعتبار الأسطورة " كنص ناقص " بحسب مصطلح جيرار جينيت، وكنتيجة شعرية بعيدة المدى، والنص المدروس " كتناص جمعي "، بالمقارنة مع المخطط الأسطوري، مما يستدعي مواجهة العلاقات بين المخطط الأسطوري والنص كعلاقات تناصية خلص بيير برونيل من كل ذلك إلى اقتراح مصدرين للإشعاع " تحت - نصي) : الأول هوعمل الكاتب الذي تكون فيه الأسطورة حاضرة، لكنها تشع في نص آخر، حيث لا تكون واضحة مع ذلك، والثاني هو الأسطورة " وإشعاعها المحتوم " في " ذاكرة كاتب وخياله، والذي لا يحتاج إلى جعلها واضحة ".‏

وبما أن الأسطورة، قبل كل شيء، بنية، فلا بد من وصف تنظيم النص، إذا أردنا، حقيقة، إنتاج قراءة للأسطورة "وصف تنظيم النص ". مثلما يذكر بيير برونيل، يجب الاتفاق، في هذه الحالة، على أن " كل واحد منّا يقوم بالتحليل البنيوي دون أن يعرف ذلك ".‏

ولادة الأسطورة الأدبية وتطورها :‏

نتحدث هنا عن ولادة ولا نتحدث عن أصول. من البديهي أن الأسطورة السلالية - الدينية) تغرق في العهود السحيقة من التاريخ، ولا يمكن لدارس الأدب المقارن تناول هذا المجال الوحيد، لأنه خارج التاريخ.‏

- الأسطورة والتاريخ الثقافي :‏

يتدخل المقارن عند أول تحول كبير في الأساطير القديمة:‏

إن مبدأ بشرية الآلهة قد أعيد أخذه ودخل المذهب المسيحي بواسطة " لا كتانس " في " مؤسساته اللاهوتية "، واستمر لوقت طويل أثناء العصور الوسطى، وفي العصر الذهبي لإسبانيا أيضاً، وكان مملوءاً بالحكايات الخرافية والأساطير " المُلحدة"، كان إيفيمير، وهو كاتب يوناني من القرن الثالث قبل الميلاد، يعتقد بوجود شخصيات بشرية مشهورة وراء صور الآلهة). ويمكن أن نستشف من خلال الأساطير القديمة والنصوص المقدسة والرمزية، تلميحاً للحياة البشرية، وتخفي تزيينات الخيال حقائق مقدسة.‏

وهذا ما طرحه خوان بيريزدي مويا في " الفلسفات المقدسة " خمس طبعات بين عامي 1585- 1673) ؛ وفراي بالتسار دي فيتوريا في " مسرح الآلهة في جنتيليداد " 1620).‏

ويفسر نظام التفكير أيضاً الاستغلال الشعري " للتحولات " لأوفيد كنماذج شعرية مثلما يشرح التفسيرات الكاثوليكية للإله " بان " في الحكاية الخرافية " إيكاونرسيس" التي أعادت قراءتها الراهبة خوانا إينس دولاكروز في " تأليه نرسيس "، كرمز للكنيسة العاشقة للسيد المسيح أوكتورية ممكنة " لحدائق غازلات الصوف " للرسام فيلا سكويه.‏

- التاريخ الأسطوري وأصله :‏

إذا تناولنا أرضية التاريخ الأدبي، فمن الممكن النجاح في دراسات تعاقبية بصورة واسعة، والتي تظهر كيف يتم الانتقال من شخصية ما أونموذج أدبي إلى الأسطورة. وتقدم تاريخين مختلفين للتطورات .‏

* إيفيجيني :‏

تتبع جان - ميكل غليكسون تاريخها في " إيفيجيني من اليونان إلى أوروبا في عصر الأنوار " 1985 P.U.F)وسرعان ما تتجاوز شخصية إيفيجيني أبعاد شخصية أدبية صرفة أسم، كنية، نسب )، وتبدو " متأصلة في المكان والزمان "، و" تشغل مكاناً في عمق خيال الشعب اليوناني " تغير المأساة، مسبقاً، النظرة إلى العالم المشترك، هذه النظرة المقدمة من الأسطورة الخرافية، والتراث الأسطوري. وتفسح المجال للمقارنة بين التراث الديني والمفاهيم الجديدة في القانون والفلسفة. فالشرط الإلهي معروض، لكن أوربيد يركز على المأساة البشرية. وهكذا تطرح الأسطورة مسألة الروابط بين المؤثر والمقدس، بتعابير جمالية ودينية ويميز ج. م. غليكسون مأساة حول معبد التضحية تصل إلى مأساة " روترو ". إلا أن التجديدات المتأنقة بدأت تحل تدريجياً، دون إلغاء المؤثر جروح العاطفة محل " القلق الذي يأتي مباشرة من السماء، بحسب المأساة القديمة" وتبقى مأساة أوربيد النص الأساسي، إلا أن النصوص الجديدة تظهر علاقة تردد بين العاطفة و " بطولة محرومة، من الآن فصاعداً، من إطارها الديني غير المتفق عليه ". إن المسرحيين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر عادوا إلى المؤثر " الخالص "، الأكثر قرباً من النموذج القديم، وهم يرفضون، بوضوح، الخاتمة الدينية لأوربيد التجلي الإلهي، و " النور الديني ")، لكنهم يستنجون الوعد النهائي بدين " أقل همجية ". أصبحت شخصيات إيفيجيني أيضاً " أناشيد للبشرية الفاضلة "، وحذف منها المعنى الديني للمسرحية اليونانية ولغزها. أماغوته الذي نهل من أعماق ينابيع التراث الأسطوري، فإنه يعطي " هالة من القدسية " إلى دين للبشرية يختزل الأسطورة " صورة تورية فلسفية ". إلا أنه لايمكن التقليل من دور الروابط بين المؤثر والمقدس، بوصفها العنصر الأساسي لهذه " الأسطورة الخرافية " على الرغم من تقلبها.‏

أسطورة هيلين :‏

تمكننا الدراسة التي قام بها جان لوي باكس عن هذه الأسطورة، من فهم ولادة التاريخ الأسطوري وتطوره، و المشكوك فيه دائماً. وهذه الملاحظة أقرب إلى التناقض : إن أسطورة هيلين ‎ " لم تنل حظاً كبيراً " إنها بعيدة عن فرض وجودها " بالعظمة نفسها" كأعمالٍ مثل أوديب، وفاوست، وتريستان أودون جوان.‏

ويبدو أن قدر " هيلين " أن تكون هامشية، في نصوص هوميروس. " العنصر الوحيد الثابت منها هو اسمها : وهذا قليل ". مع ذلك، لا تخلو الشخصية من صفات بشرية وإلهية في الوقت نفسه. وقد يبدو تاريخ هيلين، عندئذ، كتاريخ " الوجود المحتمل للمقدس في صميم الشخصية الأسطورية الخرافية " وهنا يطرح السؤال : " ما مصير الأسطورة الحقيقية التي كانت حية قديماً، عندما تتناولها آلة التفسير الهائلة : الأدب؟ " وماذا يعني، في هذه الحالة، استمرار حياة الأسطورة؟ فهي، كما قال رونسارد، قصة " فقيرة " في ظاهرها، إلا أنها قاومت العصور، وعاش اسم هيلين " طالما عاشت الأقلام والكتب ". وهذا يعني إعطاء الأدب دور جامع للتراث وحافظ له.‏

- الأسطورة وولادة السيناريو :‏

ربما نتمكن من القراءة في هذه الأسطورة " الفقيرة " أو في أساطير أخرى تحاول فرض ذاتها، لأحد المسارات التي تقدم للخيال " هذا الركام الشبيه بالأساطير " الذي تناولناه سابقاً انظر الفصل الرابع).‏

أسطورة الشاعر البائس :‏

يمكن تقديم شاهد على هذا التكوّن الإشكالي البطيء مع " أسطورة " الشاعر البائس، الذي حدده جان لوك ستينميتز أعمال ونقد، 1982، الجزء السابع) إنها دعوة، في عدة صفحات، إلى التفكير في " تكوين الأسطورة " انطلاقاً من أجزاء متفرقة من حياة شعراء مثل هومير، ولا تاس، وميلتون، وكامونس، وسرفانتس، أوشاتوبريان. وهكذا ترتسم قصة، قصة هؤلاء " المفكرين الشغوفين بالبؤس " الذين تحدث عنهم فيني في " ستيللو "، بدأ الأمر بمخطط، ثم بشخصية نموذجية، لينتهي برمز أسطوري، وهكذا وجد الشاعر البائس قبل أن يصبح الشاعر الملعون) في حالات مثل شينييه، ومالفيلاتر أو جيلبير، بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وجد عناصر جديدة من أجل حكاية يمكن أن تتحول إلى سيناريو.‏

- الولادة الأدبية لدون جوان :‏

بواسطة " بيرلادور إشبيلية " لتيرسود ومولينا، أي من خلال نص واحد، من الممكن، ضمن منظور الأدب العام أسطورة وأدب )، أكثر من منظور الأدب المقارن، أن نرى كيف يصنع نص معين قصة أسطورية. مع تيرسو، بدأت ما اتفق على تسميتها بأسطورة دون جوان : وسيكون صحيحاً أكثر أن نقول إن هذه الشخصية بدأت، لأول مرة، تتخذ رمز غاوٍ كان موجوداً بصورة خفية وارتجالية في التراث الشعبي الإسباني والأوروبي. فخلال ثلاثة أيام، كانت الكوميديا هي الفضاء الضروري لرجل أنيق، " رجل دون اسم "، كما قيل في بداية المسرحية، كي يصبح " البيرلا دور لأشبيلية "، وقد قدم تيرسو هذه الحكاية النموذجية إلى جمهوره على صورة موعظة. بعد علاقته الغرامية مع إيزابيلا وهروبه، أصبح دون جوان موضوعاً لأسطرة حقيقية عند عمه " دون بيدرو الذي كذب على ملكه. ثم ولدت هذه الكذبة أول صورة منتقاة لشاب غاوٍ، مثلما ولدت أول حبكة، وأول حكاية خرافية تقوم على الشجاعة والحزم والإقدام، وإضفاء الصفة البطولية على عمل دنيء في حد ذاته، وتجمع بين الصورة الإيجابية لمغامر يعرف كيف يتخلص من أي مأزق يقع فيه. وبين الصورة ذات الدلالة الكبيرة، صورة " الأفعى الملتفة ". ونجد تناقضاً في أساس خطاب العم : يتجاوز وجود الشر والصورة هنا من يبنيهما. يتعلق الأمر هنا ببيت من الشعر، مثل أبيات أخرى، يعد مؤشراً بالنسبة للمشاهد، ولكل من يرغب في رؤية شيء آخر غير مشهد العالم، والإمساك بمعنى الكذبة التي يقدمها دون بيدرو على المسرح.‏

بعد ذلك، نرى دون بيدرو يسترسل أمام أوكتافيو من جديد في حبكة، وأسطرة أخرى للغاوي المجهول. وبفعله هذا، يذكّر بأنه لا وجود للأسطورة دون قصة : ويحكي واحدة منها لأوكتافيو. ويجمع بين الغواية والليل في استعارة طويلة رتيبة، الدياجي العملاقة) ويكررها فيما بعد من خلال التعريف المستحيل للغاوي : " عملاق " أو " وحش ". لايكتفي خطاب دون بيدرو، أو حكايته الخرافية، بطرح شبكة مجازية إغواء - ليل )، بل يصف نوعية العمل المشروع به : المجهول يتحدى السماء والسلطة الملكية، ويقارن الغاوي، الذي لم يأخذ اسماً بعد، بالشيطان، وهذا التشبيه هوالذي أتاح لدون بيدرو أن يدعم كذبته التي يلقيها على أوكتافيو، العاشق قليل الحظ : فهو يجعل الغواية عملاً شيطانياً، وعملاً خارقاً، ويكون بذلك أول من أعد شكلاً من الترجمة للأسطورة الدونجوانية، عبارة عن مزيج من الحقيقة والكذب، ومن عناصر مبتذلة وشاعرية، أصبح في النهاية حقيقة كما قيل. مع خطابي دون بيدرو، نشاهد ما سيسميه علماء الاجتماع " الإشاعة" وبصورة أوضح : العم والمجتمع هما أول من اصطنع قصة، هي أول نسخة للأسطورة الدونجوانية، مع تحديد حدودها الشيطانية، والمبالغة في قيمتها أو الطابع الغيبي، وكل هذا أدى إلى جعل الغاوي أكثر من إنسان عادي. وليس ثمة أسم للغاوي بعد، وبالكاد يرتسم له وجه. لكن له قصة اخترعها محيطه المباشر.‏

إن شخصية " تيسبي " هي التي منحت دون جوان شهرته الاسمية ووضعيته المعبرة " في أحضان امرأة " وتيسبي هي امرأة طائشة وقعت بسرعة في هوى دون جوان الذي أصبح غاوياً بسبب شخصيته الجذابة. وهكذا سوف تكتسب قصة دون جوان سمة " أسطورية " أخرى. إن تيسبي العاشقة تجري وراء المجون مع إيزابيلا، وتقضي مغامرة في إسبانيا : فلا أسطورة دون قصة مكررة.‏

وتكرار القصة هو الذي يجعلها مثالاً. والحالة هذه فإن قصة دون جوان هي تكرار : فأولاً وقبل كل شيء، تعبر أسطورة دون جوان عن الآلية ذاتها التي لولاها لن يكون هناك أسطورة. في نهاية أول يوم، صارت تيسبي الضحية الثالثة المعروفة : وهذا الموقف الثلاثي هو الذي أوصل دون جوان إلى تلك الأصالة المشبوهة في الإغواء، التي يقدمها " كعادة قديمة ". وصار دون جوان في نظر خادمه " عقاباً للنساء "، وفي نظر تيسبي " الغيمة الطالعة من البحر ".‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأساطير فى كتاب الأدب العام المقارن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأدب والفنون فى كتاب الأدب العام المقارن
» الـــصـور فى كتاب الأدب العام المقارن
» الاتصالات والتبادلات فى كتاب الأدب العام المقارن
» البحث وعلم أصول التدريس فى كتاب الأدب العام المقارن
» الأشكال والأجناس فى كتاب الأدب العام والمقارن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دليل ستالايت :: الإدارة والمشرفون :: الموضوعات الأدبية والثقافية للمنتديات-
انتقل الى: