الذات والسيموطيقا وشعرية الميتافزيقا الكونية فى قصيدة رقصة للعالم الآخر قراءة جمالية
كاتب الموضوع
رسالة
أشرف على
مؤسس الدعم التطويرى
عدد المساهمات : 2842 تاريخ التسجيل : 23/10/2012
موضوع: الذات والسيموطيقا وشعرية الميتافزيقا الكونية فى قصيدة رقصة للعالم الآخر قراءة جمالية السبت نوفمبر 03, 2012 10:07 pm
تحيلنا قصيدة رقصة للعالم الآخر للشاعرة / انتصار دوليب الى فضاءات الكون والموسيقا وعالم الدهشة ، فهى رقصة ليست ككل الرقصات، انها لعالم مغاير ، عالم يشى بروعة المحايثة والتشاكل الكونى مع الذات والعالم الآخر الذى نفتقده فى عالمنا المادى وفضاء حياتنا اللاميتافيزيقية – المجردة من الحلم – والبحث عن عالم مغاير يتربع فيه الجمال فوق مزهريات تموجات جسد يراقص الكون والوجود والحياة. انه أنين الذات الباحثة عن لحظة دفء ، لحظة توحد مع العالم ، مع الحنان المفتقد ، ومع الألم الدفين الذى يسرى بشرايينها الدفينة فى شلالات الظلام الذى لا ينقشع، تشعرنا بوجودها وتغيب فى سدم الكون وسهوب العذاب لتتمنطق سيرورة الحزن الميتافيزيقية لتحدث معادلات الدهشة، ومفارقات السيموطيقا التى تدور عبر دوائر الحزن المتداخلة فتحيلها الى ورقة ذابلة سقطت من شجرة الحياة فى فصل الخريف العاصف ،حيث النغم الأسبانى الذى يحرك الخريف بأصابع الحزن والوحدة ، فتنطلق الدموع عبر ليل الصهد الاستوائى لتحيلها الى نافورة حزينة ، تضخ الدموع والبكاء وتستسيغ الوحدة وتتجرع الوحدة والألم الكونى الزاعق فى تباشير جسدها المنهك والحالم بنور يشع على فضاء ديمومتها ليحرك السكان فى وردتها وبحيرتها المقدسة ، تقول :
أنغــــام أسبانية أصــــابع خريفية تداعب القرميد المنهك دموع ليل استوائي وكون مبلل في سماجة كوخ كوني يتيم وهي هناك رقصة طقوسها تعسة أركان تنأى عنها الحياة تلثم وجودها في نهم نوافذ مثقلة بالصقيع ستائر مخملية بالية شموع تشاركها النغم الأفعواني تتراقص في توجس و ترقب تخشى الاحتضار اننا بازاء كتابة – عبر النوعية – اذ تمزج الشاعرة / انتصار دوليب بين لغة السيناريو فى تصويرها لمشهدية اللوحة التى تمثل الذات المنكسرة الوحيدة على عتبات العالم الفيزيائى المرصع بالحزن والدموع والوحدة فتحيلها الى جسد يشبه قرميد الغرفة الذى انهكته الشمس والأمطار والثلوج والعواصف الخريفية ويكاد أن تقتلعه الريح ، وهنا تتماهى الشاعرة مع الطبيعة لتجسد قصة الذات الكونية المابعدحداثية بأسلوب رشيق له سمو يقفز الى سلالم الروح فيعبقا بالعطر الكونى للطبيعة الزاعقة فى جسدها حيث الخريف يمثل المعادل الموضوعى لحزن الذات وعواصفها ووحدتها وشجوها الآسن الأثير والحالم ، والزاعق – كذلك – فى سدم الكون والحياة، كما يمثل القرميد المنهك الحالة الذاتية، او النفسية للشاعرة التى تتكسر كقرميد الخريف بفعل القلق والتوجس والجوف من اقتلاع الرياح للقرميد ، واقتلاع الزمن لوجودها المتبدى فى مكانها القابع فى غرفتها الوحيدة الساكنة واتلمفتقرة للدفء والحنان ، فنراها تنداح فى الرقص ، ولكنه ليس السامبا بالطبع ، اذ هو رقص خاص حزين ، حالم وشهى ، شبق وغامض ومثير ، كما انه رقص منكسر دون انيس يراقصها ويسبغ عليها الدفء والحنان ليسقى لبلابتها التى باتت كأوراق الخريف المتساقطة من شجرة العمر الميتافيزيقية الهائلة ، تقول : وهي ترقص قدمان يخضان الكون خضّاًً وسنابل شعرها السوداء تهاجر للهواء خطواتها قاسية على الأرض الرخوة كأنما هي تثأر منها هل يفوح وجودها بالرقص كالبخور أم تتلاشى بكفن الحياة الممزق ؟! انها تتسائل عبر السيموطيقا المفعمة بدوال ودلولات كونية سامقة ، انه رقص من اجل الحياة اذن ن لرقص تتنفس به وتتشبث بوجودها الفيزيائى لتسبغ على كينونتها بعض دفء قد يبل عروق قلبها ،ولكنه رقص ثقيل غير مجد ، رقص فيه قوة وصراخ ودق للأرض كأنه الرقص الافريقى أو السيناوى الذى يركز على القوة ، وكأنها تريد التعبير عن رفضها للواقع ولحياتها باستعادة التأكيد بركل الأرض ، كانها تثأر منها لعدم ستجابتها لرغباتها فالارض هى المعادل الضمنى للواقع والكون والعالم ، والدق والركل بالأقدام هو تصوير رامز لللحالة النفسية التى تستصرخ الوجود وترفضه بالدق والركل بقوة ن كما ان القوة دليل الاصرار على الرفض وتاكيد لوجود ذاتها فى الكون واستصراخها العالم المادى الذى لم يعد ينظر لصراخها ، او يتجنبها بينما تجابه الزمن وتتشبث بطبلة الذات لتعيد دق ناقوس الكون لتقول : ان الذات تئن من وجع ترفضه وتريد تغيير عالمها الرتيب المفعم بخريف قد طال ، اذ تستشرف بذلك حلماً ، أو أملاً جديداً لعودة ربيع جديد تستعيد فيه نبض انوثتها الزاعق فى بوتقة العالم الفيزيقى المقيت والذى طال بحزنه ولم يستجب لصراخ الروح ودقات القلب وركلات الأقدام ، فالرقص هو الوسيلة التى تستدعيها لازاحة الاحزان من كونها الذاتى الأثير ، تقول : هل يفوح وجودها بالرقص كالبخور أم تتلاشى بكفن الحياة الممزق ؟! اذن الرقص هو جزء عبر تساؤلاتها من وجودها وسرمديتها وسيرورتها اللاهثة ، اذ الرقص يمثل المعادل الفنى للحياة ن والمعادل المجتمعى لوجودها ، ودون ذلك سنراها تتلاشى فى كفن الحياة الممزق الذى يعتصر الذات المخنوقة والحالمة ، فهى تلوذ بالرقص وتتغياه من اجل الحياة ووجودها الكونى ، وهى صصورة جمالية أثمنها لدى الشاعرة، فهى ليست شاعرة وجودية – بالطبع –ولكنها تبحث عن وجودها فى الحياة والعالم وتتخذ من الرقص وسيلة لغاية ثمينة هى الحياة بكامل مباهجها وموسيقاها الأسبانية الحالمة. ولكن هل تكتف الشاعرة بالرقص فقط للتدليل الى وجودها ، او للاشارة الى ذاتها المنهكة كالقرميد الذى بات واهناً كخيط عنكبوت تكاد تذروه الرياح العاصفة؟ أم تراها تلفتنا الى عالمها الأثير ، وفى رقصتها الحياتية التى تمثل قيامة للذات والوجود لنفسها المتكسرة على خزف العالم الملون؟1 انها تبدأ فى اجترار السرد الشعرى فنراها تتحدث عن مولدها ومعاناتها فى الحياة حيث الزمان ينكر الشمس ويصادر الكلمات ويسلب حق المغنى فى الغناء، وحقها فى التعبير عن ذاتها المموسقة ، لذا تنداح الشاعرة – بعد رفضها للأرض –وركلها لها بالأقدام ، نراها تتسامق وتعلو فتترك الأرض لتهدر ترنيمتها وترقص عبر السدم والنجوم فى سماء الذات والعالم والكون وكأنها اصبحت نجمة كونية ، او اسطورة لفتاة نراها تقطر الدموع وترقص مع الفلاك والنجوم وتهدر ذاتها مطراً يعم العالم ، او شهباً تسقطها على الرض لتحترق بعد ان رفضت وجودها ن او لم تبال بذاتها الزاعقة فى برية العالم والوجود الكونى ، الا ان مفارقة نراها فى تشاكس ذاتها الهادرة وجودها فى سماء العالم فهى تسحق الموسيقا فوق الغيوم وتكفر بها وتلوذ بأطرافها المشتعلة التى تحن للدفء الانسانى لتنفض الخوف والوحدة ، وتخلع عن اردية ثيابها الصمت والسكون لتنطلق عبر البوابات الكونية لعالم الميتافيزيقا وكأنها ملاك تتسلق خطواتها الهواء فى فراغ الكون ،الا انها حانقة على العالم تنظر اليه من بعيد وتتغياه بينما ترفض ذاتها كل المغريات الكونية اذ هى فتاة أرضية ، او انسانة فلا يغريها الوجود الميتافيزيقى لأنه يزيدها وحدة فوق وحدتها وحنق على العالم الذى لا يقدر ذاتها المحبة المتعطشة كالبئ التى تنضح بفراغ اهواء ، او انها تصارع طواحين الهواء لينهمر ماء وجودها ويطلع على الكون بفزيائيته وأبستمولوجيته المتماهية فى الفراغ الكونى حيث الثقوب تخترقها ، واوحدة تقلقها فتكاد تجن وتقفز من الرض للسماء رافضة الكون والوجود وتلوذ بالرقص الكونى للذات المهترئة كقرميد الخريف الواهن، تقول : ولدت في زمنٍ أنكر الشمس صادر الكلمات ..سلب حق الغناء وهي ترقص تهدر ترنيمة وجودها في السماء تسحق الموسيقى بإلحاح الخوف العالق بالهواء أطرافها المشتعلة يزفرها النغم بجنون تتسلق خطواتها الفراغ تهبط في ألمٍ حانق لتتساءل الأصوات المختبئة تحت التراب وتاج من ظلمة جنائزية يتغلغل في جبينها لماذا تبكي ظلالها وتملأ سماءها الثقوب تفكير يجترّه الألم ووجود يشوهه الهروب لأحضان النغم انه الحلم المعادل للموت ، والرقص المعادل للحياة ، والبوح الزاعق فى الذات والكون من أجل لحظة دفء وتوحد مع العالم والكون والحبيب الذى يختبأ دون أن تذكر ،بين طياتها الحبيسة ، او هو الحلم الذى تتغياه ولا تفصح ذاتها السامقة عنه ، الا ان رقصها وحنينها للدفء قد يكشفان عن ذلك فنراها تهرب من السؤال الوجودى الى السؤال الكونى ، ومن اسئلة الذات الى اسئلة العالم الكبرى عن الوجود والكون والمجتمع والعالم والانسان، تقول : وهي ترقص منتحبة بكاء يُذكي فناء الموتى حزن يصرعهُ الشرود لحن يغتصب الفراغ وتدور أكثر فوق الهمس الصارخ تتساءل من أطلالها القيود أتراها تجد يوما طريقاً بين أزقة السلام أيطوق شفتيها القانيتين نبيذ الحياة هل تتحرر طلاسمها من الجدران هل تكف عن الدوران كالحول وتلقي مرساة جسدها المنهك دون أن تتجرعها اللجج السحيقة لمحيط الدهر انه حزن وجودى اذن ، حزن ممتد الى الذات والموتى والأحياء ، حزن لا يعدله حزن الموتى ولا احزان الثكالى على احبة قد افتقدوهم بالموت الصارخ ، انه البحث عن الذات التى تاهت ، او التى يطوحها هواء الخريف ويعصف بها ويقتلع كينونتها لتتطاير الى الكون وتعلو من غرفتها المكانية الى غرفتها الكونية مع السدم والنجوم ، وهى عبر السؤال تعيد انتاجية الأمل ليعود نبيذ الحياة يطوّق شفتيها المتيبستين فتعود لها الابتسامة وتزخر بالدفء والتوق الى لحظة سكون آمن ، او سلام مع النفس والعالم والمجتمع ،. لقد أصبحت مثل طلاسم على جدران ملغزة للحياة التى لا تكاد تكف عنها بل تصارعها وتريد أن تصرعها الا انها قوية ثابتة تتشبث بأمل لنبيذ حياة يعيد للشفاه الدفء القانى ، ويعيد لوجهها العطر الذى افتقدته كثيراً جداً ، لذا فهى تريد الخلاص للنفس والجسد لترتاح روحها على سرّة المرمر الميتافيزيقية فى مدينة للجمال بعيداً عن الحزن وحيث الدفء بعد طول صقيع الثلوج ، وحيث الهدوء بعد طول صخب وضجيج العواصف والأمطار والرعود، تقول : ساقان منهكتان ثوب من ظلام مدلهم ووشاح من لهب متأجج يطوق عنقها كما الحياة حذاءٌ حصدهُ الرقص كيان هدهدته رتابة الألم يلتحم بغتةً..بأرضٍ لا عهد لها ويستمر نبض الموسيقىانها تتجرع الألم وتطلب الأمل لتشرب نبيذ الحياة من جديد مع حبيب تتشهاه ، او مع من يقدرها ليعود الفء للجسد ، وتعود النضارة للجسد وتزهزه الروح بعد طول صراخ، لذا تشكو التعب والانهاك فقد أنهكت ساقاها كما وعم الظلام والسواد وطال حتى طاول الثياب ، حتى الحذاء قد اهترىء من رقصة الحياة التى طالت دون جدوىواغتراب ما دونه اغتراب فى أرض لا تعرفها ولا عهد لها بها ،ولكن مع ذلك نراها لاتفقد الأمل اذ نبض الموسيقا سيستمر مع دقات قلبها المنهكة الواهنة ، ولكنها موسيقا أخرى غريبة واهنة ، ليست مفعمة بأمل ولكنها فى كل لا تفقد وجود هذا الأمل وتترك النهاية ممتدة كامتداد الكون لتعيد ديمومة كونية وجودها واستمرارها مع دورة الزمن وسيرورته ، ومع استمرار الموسيقا ولو كانت واهنة مثل ذاتها المتعبة الحزينة.انها رحلة ذاتية كونية أخذتنا معها الشاعرة / انتصار دوليب لتعيد رتق منظومة الذات لتتماهى مع الكون فى لغة تتسلسل من قطر ذاتها الشفافة الحانية والرافضة لالغاء كينونتها وانوثتها امام مادية العالم الزاعق فى برية الصمت الممتد . ان / انتصار دوليب تكتب قصيدة – فيما أحسب – ما بعد حداثية ، فصيدة كونية ممتدة فى فضاء الذات والكون والعالم ن وأحسب ان مثل هذه القصائد الجديدة تجدد الشعرية العربية وتعيد للغة ابتكاريتها ودهشتها ومفارقاتها السامقة ن كما تحفر فى قاموس اللغة لتعيد تجديد الصورة والأسلوب والشكل والمضمون لتصنع لنا عالماً تتشابك فيه مع الذات والكون والعالم لتعيد انتاجية الشعر العربى الجديد الهامس والزاعق فى برية السيموطيقا وعبر مفارقات الميتافيزيقا المذهلة . اننا امام شاعرة تنحت لنفسها مكاناً سامقاً ومتفردا فى أفق السيمولوجيا لتعيد تجديد البناء الشعرى واحسبها بصدقها الفنى قد أعطت ذاتها للشعر فخرج صادقاً يقطر دموعاً وألماً وشعراً حالماً يراقص الذات على ايقاعات العالم الممتد. منقول للفائدة
الذات والسيموطيقا وشعرية الميتافزيقا الكونية فى قصيدة رقصة للعالم الآخر قراءة جمالية